تبعاًً لتصنيف المطعم أو الفندق من خمس نجوم أو أكثر، إلى نجمتين أو أقل، ويبقى القاسم المشترك أنهن موجودات لاستقبال الزبائن وخدمتهم.
-فما هي ظروفهن والصعوبات التي يواجهنها ، وكيف ينظرن إلى هذه المهنة؟
وهل يقبلهن المجتمع؟، وهن وسيلة لجذب الزبائن، أم ضرورة فرضتها قلة فرص العمل المتاحة؟...
جمعتني ببعضهن المصادفة في أحد الفنادق الكبيرة الراقية، ولقد لفتن أنظار الموجودين بحسن استقبالهن وأناقة لباسهن الأسود والأبيض، فكانت العيون تتابعهن كيفما تحركن جيئة وذهاباً لتقديم الطلبات، وقد تحدثت إلى بعضهن في محاولة للتعرف إليهن...
حاجة مادية ونظرات لا ترحم
لم تترفع « نيرمين» 23عاماً عن هذا العمل كونها خريجة جامعية - تربية وعلم نفس، وموظفة في شركة خاصة بالفترة الصباحية، فقالت: أحب أن أعمل وأستغل كل دقيقة في حياتي، وقد بدأت العمل هنا مذ كنت طالبة لأغطي نفقات دراستي، وبقيت بعد تخرجي وقد يبدو هذا مرهقاً، ولكن من الغباء التفريط بفرصة عمل، فأعمل بالشركة من السابعة صباحاً وحتى الثالثة ظهراً، ثم التحق بالفندق من الخامسة مساء وحتى الثالثة صباحاً، فأنا وأهلي بحاجة لكل ليرة أتقاضاها.
وعن طبيعة العمل فهي مسلية ومريحة، ولكن الناس لا يتركون أحداً بحاله، فهم ينظرون إلى من تعمل في الفنادق والمطاعم على أنها انسانة رخيصة تستعرض نفسها أمام الزبائن، وبسبب تلك النظرات التي لا ترحم، أبقى بحالة خوف من أن يراني أحد من معارفي أو أقاربي، ولو كان عندي شك واحد بالمئة بأن أحداً منهم سيأتي إلى هكذا أماكن غالية، فلن أبقى دقيقة واحدة هنا.
تحرشات ومعاكسات مزعجة
أما« مي ع.ي» 18 عاماًً، فلم يكن لديها خيار آخر، خاصة وأنها لم تحصل بعد على الثانوية العامة، وأمام ظروفها المادية الصعبة، اضطرت لقبول هذا العمل رغم عدم قناعتها به، وكذلك رفض أهلها كونه بدوام ليلي، قالت:
العمل بهذه المهنة يتطلب مؤهلات خاصة، وهي اتقان اللغة الأجنبية والشكل الجميل والأناقة واللباقة وخفة الحركة والثقة بالنفس، أما صعوباته فهي كثيرة أولها العودة في وقت متأخر إلى البيت، ورغم أن المواصلات مؤمنة إلا أن رجوع البنت في الثالثة صباحاً، يثير لدى المحيطين الكثير من التساؤلات والشكوك، كما أننا نتعرض للمضايقات من الزوار، فالذي يريد أن يتعرف، والبعض يتحرش ويعاكس بطريقة مزعجة، وآخرون يطلبون لقاءات خارجية، فنحن« ملطشة» للداخل والخارج، وعندما نشعر بالضيق نشكو للادارة، التي تحرص علينا، وتحاول مراقبة الوضع من خلال كاميرات المراقبة وعندها تتدخل في الوقت المناسب وبطريقة لائقة.
خدمة الناس صعبة ومحرجة
وقد لا يتوقف الأمر على ذلك فقط، فبسبب نظرة المجتمع السلبية،قد تشعر العاملة بهذا المجال بالخوف على مستقبلها ، لأن بعض الشبان قد لا يقدمون على الارتباط بمن تعمل ليلاً،ولديها احتكاك مباشر بالناس، هذا ما قالته « أميرة» 20 عاماً- غير حاصلة على الثانوية- وقد اختارت هذا العمل لعدم توفر الأفضل على حد تعبيرها، وأضافت: هذه المهنة متعبة تستدعي أن أكون على أهبة الاستعداد باستمرار ، وكذلك الترحيب والابتسام بوجه الزبائن حتى لو كنت منزعجة أو متعبة، وهذا يشكل ضغطاً نفسياً علي، كما أن المديرين لا يتفهمون ظروفنا الخاصة وحالتنا المزاجية، إضافة لصعوبة التخديم على الناس فهي محرجة، وربما الشاب يتقبلها أكثر من الفتاة، كما أن المجتمع اعتاد على رؤيته بوظيفة« كرسون» ولم يتقبل بعد وجودنا بهذا العمل ويعتبره نوعاً من الاستغلال لأنثوتنا في الترويج للمكان وزيادة الزبائن، كما أنني أجد نفسي محرجة وألمح نظرات الاستغراب عندما يسألني أحد ماذا أعمل، فأقول « إكسترا سيرفيس» فهم لا يعرفون ماذا تعني، ومتعارف عليه« كرسونة» وهم ينظرون إلى مهنتنا بدونية.
أواجه نظرات التعالي باللامبالاة
وربما يلعب الاختصاص دوراً في مدى تقبل الفتاة ونظرتها لمهنتها باحترام، وهذا رأي«ناريمان» 21 عاماً- خريجة معهد فندقة، تقول: هذه مهنة محببة ومفضلة بالنسبة لي، فهو عمل ممتع لاتوجد فيه صعوبات إطلاقاً، بل على العكس فهو يتيح مجالاً للتعارف والعلاقات الاجتماعية مع مستويات رفيعة وراقية، وعندما نكون بحاجة للمساعدة فهم لايتوانون عن ذلك، لذلك نحاول إشعار الزبون بأهميته عندما نناديه باسمه، فنعزز علاقتنا بهم ونشجعهم على زيارة المكان مرة أخرى، وبرأيي إن مهنتنا كأي مهنة هناك من يتقبلها،وهناك من يرفض، فأحياناً بعض الزبائن يتعاملون معنا بفوقية وتعال، وعندما أصادف هذه النماذج، أواجه هذه النظرات باللامبالاة، علماً أن أهلي شجعوني وهم مقتنعون بعملي، وكذلك خطيبي الذي تقدم إلي بعد استلامي لهذا العمل ، فأنا أعمل هنا منذ أربع سنوات.
حسب طبيعة المكان
وبالانتقال إلى مكان آخر، قد تختلف الظروف تبعاً للتصنيف: وهو مطعم أنيق في ساحة النجمة، وما إن وطأت قدماي عتبته حتى سارعت فتاة جميلة ترتدي بنطالاً أسود وقميصاً أبيض، بالترحيب بي وقادتني إلى طاولة وسارعت بتقديم فنجان القهوة الذي طلبته، ولما بدأت بتوجيه الأسئلة إليها، كانت أجوبتها مقتضبة ، ثم مانعت وطلبت أن تأخذ إذن مديرها، وطبعاً استمراريتها بالعمل مرهونة برضا رب العمل.
وعندما سألتها لماذا يستهجن الناس وجود فتيات يعملن مضيفات مطاعم،قالت غروب 28 عاماً وهي تعمل منذ ثمانية أشهر: لكون مجتمعناشرقياً له عاداته وتقاليده، فقد حصر عمل الفتاة في أماكن محددة كالشركات والمعامل، ويعتبرون وجودنا بهذه المهنة بمثابة تحد وجرأة، وأهلي جزء من هذا المجتمع بداية اعترضوا، ولكن عندما عرفوا طبيعة العمل، وأنه بمكان محترم تغير رأيهم، فأنا مقتنعة به، حتى لو أتيح لي غيره فلن أتركه، ولذلك فقد شجعت صديقاتي بأن يعملن بهذه المهنة وبالفعل التحقن بمطاعم أخرى، فهذا أفضل من الجلوس في البيت وانتظار فرصة عمل قد تأتي وقد لا تأتي.
وعن الراتب الذي نتقاضاه، قالت: أداوم 9 ساعات من الثامنة صباحاً وحتى الرابعة بعد الظهر، وأتقاضى لقاء عملي، راتباً يتراوح بين 15-20 ألفاً وهو مبلغ ممتاز، فالعمل لا يتطلب مؤهلات علمية كثيرة كبقية الوظائف،
ضمن الأصول الاجتماعية
وبنفس المطعم كانت«آية» 18 عاماً حريصة على السرعة في تقديم الطلبات، ولم يمنعها كونها فتاة « محجبة» من ممارسة هذا العمل، لكونه برأيها عملاً محترماً قالت: ما أقوم به عمل شريف لأنه ضمن الأصول الاجتماعية، وليس معيباً أن تعمل الفتاة وتعتمد على نفسها وتساعد أهلها، في حين هناك الكثير من الشبان يترفعون عن هذا العمل، بل ويخجلون منه، ويفضلون التسكع والاتكال على الغير،وعلى الفتاة التي تريد العمل في هذه المهنة أن تتصف بالجرأة والاخلاص بالعمل، وأن تبدي للزبائن كل ما هو إيجابي بعيداً عن المشاعر السلبية، فما ذنبهم بأن يروا وجوهاً متجهمة، في حين هم يأتون للترويح عن أنفسهم، والترحيب بهم جزء أساسي من عملنا.
للاستمرار عليها أن تبتعد عن« المياعة»
في منطقة الطليان وفي مطعم ربما أقل درجة وأكثر تواضعاً ، كانت« ناهد» 26 عاماً الفتاة الوحيدة بين عدد لا بأس به من المضيفين الشبان، وكانت مهمتهاتنحصر بتناول الطلبات منهم وتقديمها للزبائن، وكانت على قدر كبير من الجمال وقد ارتدت زياً مميزاً باللونين الأسود والأحمر، بداية عارض مدير المطعم ومنعها من الحديث معي، ظناً منه أنني أتحرى عن موضوع التأمينات الاجتماعية، ولكن سرعان ما وافق بعد أن أخذ مني وعداً بألا أذكر اسم المطعم أو اسمه.
سألتها كيف تحمي نفسها من التحرشات ، وهي على احتكاك مباشر مع أناس من طبائع مختلفة، فقالت: عملت هذا بعد زواجي لأساهم في مصاريف البيت، وذلك بعد أن بحثت كثيراً، ولم أجد غيره،وقد شجعني زوجي رغم معارضة أهلي الذين رأوا أنني سأكون عرضة للمضايقات ، ولكنني لم أرد عليهم، فأنا بحاجة للراتب رغم قلته فهو لا يتجاوز 8000ل.س مقابل 7 ساعات عمل، بالاضافة للوقت الذي أقضيه في المواصلات، لذلك أتمنى أن أجد عملاً أفضل وبراتب أكبر، فهو رغم سهولته إلا أن تحرش الزبائن ثقيلي الدم ينغص علي، ومن تريد العمل بهذا المجال عليها أن تبتعد عن المياعة وتضع حداً بينها وبين الزبائن حتى لاتدخل بمشكلات معهم ومع أصحاب المطاعم.
مدير مطعم: لحضورهن جاذبية
من يفضل مديرو المطاعم؟ شاباً أم فتاة،يقول لؤي رجب- مدير مطعم:
الفتاة مناسبة لهذا العمل أكثر من الشاب، فهي تسعى جاهدة لإثبات جدارتها،وأنها تستطيع القيام بجميع المهام مثل الشاب، بل وأفضل منه، وهذا جزء من اثباتها لوجودها في المجتمع، كما أن حركتها بالمطعم فيها الكثير من النعومة وعندها لمسات خاصة في تقديم الضيافة وحسن الاستقبال ، فلديها ذوق خاص، ولحضورها جاذبية محببة بالنسبة للزبائن كشكل وصوت واتكيت، لذلك أنا أفضل الفتاة أكثر من الشاب، وخصوصاً في الفترة الصباحية، ووجودها يعطي راحة نفسية للزبائن وتجعلهم يطلبون مزيداً من المأكل والمشرب.
الخبرة أم الشكل؟
وعن أيهما أهم بالنسبة للتعيين الشكل أم الخبرة والاختصاص، خاصة بعد احداث التخصصات الفندقية، يقول رجب: هما يكملان بعضهما ، فليس من المعقول تعيين فتاة فقط لكونها جميلة،وهي لا تتقن أصول المهنة ولا تحسن التصرف مع الزبائن، وبالنهاية هذا باب رزق، كما أنه لا يكفي أن يكون لديها الخبرة والتخصص وهي لاتملك المظهر المقبول، لأن وجودها جزء مكمل لكل تفاصيل المكان فهي تزينه وتعطيه روحاً أنثوية ناعمة، وبالنسبة للتخصص فخريجو الفندقة يفضلون الفنادق الكبيرة عن المطاعم الخاصة الصغيرة، لذلك نادراً ما يأتينا خريجو فندقة، سوى بالعطلة الصيفية حيث يأتي بعضهم قبل التخرج للتدرب والاستفادة المادية.
غير منتشرة بالأماكن الشعبية
هذه الظاهرات باتت منتشرة في بعض الأماكن دون غيرها، عن السبب يقول رجب:
يقتصر تواجد مضيفات المطاعم على الأماكن الراقية والمحترمة وفي مناطق محددة، حيث تكون لرواده طبيعة اجتماعية خاصة، وهي ليست منتشرة في المطاعم والكافتيريات الشعبية، وعموماً انتشرت هذه الظاهرة منذ عشر سنوات تقريباً، بعد إحداث التخصصات الفندقية وتدريب الفتيات فيه، وكذلك بسبب كثرة المطاعم والكافتيريات ومحاولة كل منها التميز واستقطاب الزبائن، إضافة لقلة الوظائف وانتشار البطالة بين أوساط الشباب، ما دفع الفتيات لاقتحام مجالات عمل كانت تقتصر فيما مضى على الشباب فقط.
أكثر إلماماً بمهارات الضيافة
ولدى سؤال أحد مديري المطاعم وقد رفض ذكر اسمه- عما إذا كان وجود المضيفات في المطعم يزيد من إيراده وعدد الزبائن، قال: عندما نطلب موظفين لانحدد فتاة أم شاباً، وقد أتى تعيينها بمحض الصدفة، ولكن بعد التجربة فقد أثبتت أنها تمتلك مهارات الضيافة والخدمة أكثر من الشاب، وبرأيي قد يعود ذلك لكون الفتاة اعتادت أن تعمل في بيتها وتخدم والدها واخوتها وزوجها.
أما عن التأمينات الاجتماعية فقد قال: عادة نجد صعوبة في هذا الموضوع لأن الفتيات سرعان ما يتركن العمل ويتنقلن من مكان لآخر، وهذا وضع مربك، وفي حال قررت البقاء وكانت مواظبة على الدوام وملتزمة به، طبعاًً نسجلها في التأمينات لضمان حقوقها.
مفارقات
- كان هناك حذر شديد بالنسبة للحديث بموضوع التأمينات الاجتماعية.
- اعتذر أحد مديري المطاعم عن الحديث معي بحجة أنه مستعجل يريد الذهاب إلى التأمينات الاجتماعية ولا وقت لديه.
- على ذمة أحدهم فإن جميع عماله مسجلون بالتأمينات دون أن يقتطع أي مبلغ من رواتبهم، في حين ذكر أحد العاملين لديه أن البعض منهم غير مسجل.
- رغم قناعة بعض المضيفات بطبيعة عملهن، ومع ذلك كن مصرات على عدم ذكر أسمائهن كاملة.