تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


.. شاهد حي على همجية المستعمرين

دراسات
شؤون سياسية
الجمعة 30-5-2014
بعد سلسلة الثورات السورية التي شهدها الوطن من مشرقه إلى مغربه ومن شماله إلى جنوبه، وجد المستعمر الفرنسي نفسه محرجاً ومضطراً لإعطاء الشعب العربي السوري

وعداً بالاستقلال في عام 1941 وتكرر هذا الوضع في العام التالي والذي يليه، وشكلت الحكومة في عام 1943 عندما أعيد للشعب دستوره بعد ثورات لاهبة ونضال طويل.. وحين وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها في عام 1945 تراجعت فرنسا عن وعودها وكشفت عن نياتها الخبيثة في ضم سورية ولبنان إلى مستعمراتها.‏

ولكن سرعان ماخرجت المظاهرات الشعبية في المناطق والمدن المختلفة منددة بفرنسا ومطالبة بالاستقلال الوطني نشر الفرنسيون قواتهم المسلحة ومصفحاتهم ودباباتهم في أماكن رئيسة من دمشق.. ولفتت الحكومة السورية نظر المندوب السامي الفرنسي لهذه التصرفات البعيدة عن الحكمة والعقل والتي تمس استقلال سورية.. ولكن سلطات الاحتلال لم تستجب بل أخذت تملي شروطاً تعسفية تضمن من خلالها وجود قواعد عسكرية على الأراضي السورية التي تتيح للفرنسيين وجود طرق مواصلات عبر سورية للوصول إلى مستعمراتها وراء البحار.‏

وأصدرت الدوائر الحربية الفرنسية بلاغاً إلى جنودها واحتياطها في سورية ولبنان تشرح فيه نياتها تجاه الدولتين العربيتين حضت فيه جنودها على الوقوف في وجه من سمتهم بالفوضويين والخارجين على النظام والمحافظة على شرف فرنسا المهدد بامتحان قاس والأمن الذي بدأ يتعكر صفوه!!‏

والواقع أن بوادر ثورة شعبية أخذت تلوح في الأفق وأخذ الشعب العربي السوري ينظم حلقات نهارية ومسائية، يحللون الأوضاع ويتهيئوون لحمل السلاح.‏

لقد تصاعدت المقاومة في العديد من المناطق وأصيب عدد من الجنود الفرنسيين كما بدأت قوات الجيش الوطني التي كانت تحت إمرة القيادة الفرنسية من ضباط وصف ضباط بالفرار من الثكنات وأخذوا يلتحقون بالقوات الوطنية حاملين معهم ما استطاعوا من أسلحة وعتاد، ما اضطر الفرنسيين للوقوف أمام الجيش الوطني وجهاً لوجه وبدأت المجابهة الحقيقية حين بدأ العسكريون الوطنيون الذين لم يتمكنوا من الفرار يرفضون تنفيذ الأوامر الموجهة إليهم.‏

وقائع يوم 29 أيار‏

في الساعة الثالثة والنصف من بعد ظهر يوم التاسع والعشرين من أيار عام 1945 وجه الجنرال أوليفاروجيه انذاراً إلى رئيس المجلس النيابي المرحوم سعد الله الجابري يطلب فيه قيام القوات الشرطية والدرك في المجلس النيابي بأداء التحية للعلم الفرنسي بواجهة المجلس.. رفض انذاره وأطلق الجنرال روجيه تهديده بالانتقام من المواطنين السوريين.. ألغيت جلسه البرلمان التي كانت مقررة في الساعة الخامسة من بعد ظهر ذلك اليوم.. وعقدت الحكومة الوطنية اجتماعاً سرياً طارئاً في منزل أحد الوزراء لبحث الوضع، لأن دار الحكومة كانت مطوقة بالجنود ومدافع الفرنسيين ودباباتهم.‏

وفي الساعة السادسة والدقيقة الخمسين أطلق الفرنسيون المرابطون في شارع النصر نيران رشاشاتهم على حشود المتظاهرين من أبناء الشعب وقد أبلغ الاجتماع السري للحكومة ممثلي الدول الأجنبية في دمشق في مذكرة تشرح فيها تطورات الموقف بسبب الاستفزازات المتواصلة الصادرة عن الجنود الفرنسيين، والأعمال التي تجاوزت كثيراً درجات العنف في البلاد، فقدت صبت المدفعية الفرنسية نيرانها على مدينتي حمص وحماة فقتل وجرح كثيرون وسددت الرشاشات نيرانها على عابري السبيل في دمشق وحلب وأفضى استفزاز الأهالي في درعا إلى الاصطدام بالقوات الفرنسية وعليه فالحكومة السورية ترفع صوتها بالاحتجاح على هذه المجازر وتناشد ممثلي الدول الصديقة أن يشهدوا بالوقائع لمصلحة قضية سورية العادلة التي هي في الوقت ذاته قضية الشعوب الديمقراطية والمحبة للحرية.‏

وفي الساعة السابعة مساء رفضت الحامية في المجلس النيابي التحية للعلم الفرنسي وهو ينزل من على ساريته فوق دار الأركان الفرنسية مقابل البرلمان، ليبدأ الجنود الفرنسيون قصفهم الوحشي بقنابل الهاون والدبابات والمصفحات لمبنى المجلس وراح عناصر الحامية يدافعون بأسلحتهم المتواضعة ويتلقون الرصاص وشظايا القنابل بصدورهم العامرة بحب الوطن رافضين الرضوخ لمشيئة المستعمر وما إن نفدت ذخائر عناصر الحامية حتى راحت القوات الفرنسية تقتحم مبنى المجلس لتنفذ أبشع أنواع الحقد الاستعماري والوحشية في تمزيق أجساد من نجو من القصف بالحراب والسواطير إضافة إلى التمثيل بجثث الشهداء.‏

ثلاثون شرطياً صمدوا في وجه المئات من القوات الاستعمارية المدججة بالسلاح.. رفضوا الذل والخنوع سقط ثمانية وعشرون شهيداً منهم، ونجا اثنان بأعجوبة ليبقيا شاهدي عيان على واحدة من أبشع المجازر الاستعمارية.‏

إن شهداء البرلمان شهداء التاسع والعشرين من أيار سيبقون رمزاً خالداً ووصمة عار أبدية لهمجية الاستعمار ووحشيته.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية