تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


.. وفرنسا المستعمرة لم تتغير

شؤون سياسية
الجمعة 30-5-2014
عبد الحليم سعود

عند مقاربة السلوك العدواني الذي تنتهجه الحكومة الفرنسية ضد سورية على مدى أكثر من ثلاث سنوات من الأزمة المفتعلة التي تعيشها والحرب الكونية التي تواجهها،

وآخر تجليات هذا السلوك الفاشستي القمعي منع الجالية السورية في فرنسا من المشاركة باستحقاق وطني ديمقراطي يتمثل بانتخاب رئيس جديد لسورية، وتجنيد المرتزقة والإرهابيين وتزويدهم بالسلاح الفتاك لقتل الشعب السوري وتدمير دولته ومؤسساتها، لا بد من استعادة بعض الذكريات المريرة لحقبة الاحتلال الفرنسي البغيض لسورية التي ختمها الغزاة بمجزرة إرهابية تعرضت لها حامية البرلمان السوري في التاسع والعشرين من أيار عام 1945.‏

فحسب شهادات الشهداء الأحياء الذين نجوا من تلك المجزرة وبعض المطلعين على تلك الحقبة فإن الفرنسيين الذين أوشكوا على مغادرة سورية بعد أن تحولت إلى مقبرة لأحلامهم وطموحاتهم الاستعمارية بيتوا عدواناً انتقامياً على دمشق في الثامن عشر من أيار ووضعوا خطة العدوان، حيث تم نقل العسكريين الفرنسيين وعائلاتهم في دمشق إلى ثكنات مطار المزة ومعسكرات أخرى خارج العاصمة، وتم استقدام قوات جديدة نزلت على الشواطئ اللبنانية، وبدأت بنشر المصفحات والدبابات في الأماكن الرئيسية الحساسة في دمشق.‏

واقتضت الخطة المبيتة التي وضعها الجنرال الحاقد أوليفا روجيه ضرب المجلس النيابي السوري وقتل كافة الوزراء والنواب من أجل إحداث فراغ دستوري يسمح للفرنسيين أن يأتوا بأعوانهم إلى سدة السلطة، وضرب مركز الشرطة والدرك في القلعة واحتلال جميع دوائر الدولة وتجريد الشعب السوري من السلاح وفرض الحكم العسكري الفرنسي المباشر.‏

وتم تحديد يوم 29 أيار لبدء العدوان حيث كان مقرراً عقد جلسة للمجلس النيابي يحضرها الوزراء في الساعة السادسة من مساء ذلك اليوم، ومن أجل إيجاد ذريعة لبدء العدوان طلب الفرنسيون من حامية المجلس النيابي أن تصطف لتحية العلم الفرنسي عند إنزاله مساءً من فوق سارية دار الأركان الفرنسية (دار المندوبية) التي كانت تقع مقابل البرلمان مباشرة (في مكان بناء السكري حاليا).‏

وعند الساعة المحددة لبدء العدوان أصدر روجيه بلاغاً حمل في طياته تلك النيات حيث وجه إنذاراً إلى رئيس المجلس النيابي آنذاك المناضل سعد الله الجابري، طالباً منه تحية العلم الفرنسي عند إنزاله عن مقر الأركان الفرنسية من قبل حامية البرلمان، ولما رفض رئيس المجلس الإنذار تمت محاصرة المجلس بالمصفحات وبدأ العدوان ودوت أصوات المدافع والقنابل في دمشق فاستشهد عدد كبير من الحامية، بتهمة تحقير العلم الفرنسي، وتشير بعض الوثائق التاريخية إلى أن الجنود المشاركين في العدوان نهبوا على هامش الحدث المحال التجارية والبيوت في دمشق ونقلوا المسروقات إلى ثكناتهم ثم إلى فرنسا عن طريق مطار المزة، إضافة إلى نهب الوزارات والدوائر الحكومية، ولم تسلم باقي المدن السورية من العدوان حيث تم دك العديد منها بالمدفعية الثقيلة بالترافق مع القصف الجوي لتنتهي حقبة الاحتلال كأسوأ ما تكون النهايات.‏

اليوم تستعاد هذه المجزرة وهذا العدوان الهمجي، وفرنسا القوة الاستعمارية البائدة كما هي لم تتغير، فما تزال تمارس العدوان وآخر أعمالها العدوانية في هذا المجال تدمير ليبيا قبل عامين إلى جانب حلف شمال الأطلسي، وتدخلها العسكري المباشر في أكثر من دولة أفريقية بذريعة محاربة الإرهاب، في الوقت الذي تمارس فيه الإرهاب من خلال دعمها واحتضانها للمرتزقة والإرهابيين وتجنيدهم للقتال في سورية تحت ذرائع وحجج واهية، ورغم وصفها بدولة الحريات والديمقراطية إلا أنها تمارس اليوم أبشع أشكال القمع بمنعها للسوريين من ممارسة حريتهم في اختيار من يمثلهم في سدة الرئاسة،‏

وما أشبه فرنسا اليوم بالأمس، فمن خلال عدوانها على البرلمان السوري قبل 69 عاما كانت باريس تطمح للفراغ في سورية وتسليم السلطة لعملائها آنذاك، وها هي اليوم تحاول منع إجراء الانتخابات الرئاسية في سورية إلى جانب العديد من الدول المتآمرة خدمة للعصابات الارهابية التكفيرية البعيدة كل البعد عن قيم الديمقراطية والانتخابات وإرادة الشعوب رغبة في إحداث الفراغ والإتيان بعملاء ومرتزقة لملئه، ولكن في المقابل لا تجري الرياح كما تشتهي فرنسا فما يزال السوريون كما عهدتهم فرنسا أحرار مقاومين شرفاء لا يسمحون لأي قوة غاشمة على وجه الأرض أن تبدل قناعاتهم أو تؤثر على خياراتهم الوطنية، وسيكتب التاريخ قريباً جداً أن أحفاد حامية البرلمان الأبطال أفشلوا مخططات فرنسا ومن معها من دول العدوان وأذلوا مرتزقتهم وإرهابييهم وأنجزوا استحقاقاتهم الدستورية واختاروا من يقودهم في المرحلة المقبلة بكل ديمقراطية وشفافية غير آبهين بالضغوط والتهديدات والتحديات والإرهاب.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية