تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الشـائعة

الثلاثاء 10-12-2013
سعد القاسم

رغم أن عدد الفضائيات التي تنقل الأخبار ،السياسية والاقتصادية والفنية والرياضية، يبلغ العشرات، وربما المئات، وكذلك المواقع الالكترونية ومن ضمنها الصحف، فإن الشائعة لا تزال تملك حضورها الخاص،

وربما المميز، على الساحة العربية، بل إن التطور الالكتروني في وسائل الاتصال الحديثة ، لم يؤد إلى انحسارها بل ساهم في تناميها.. وخاصة بعد الانتشار المرعب لمواقع التواصل الاجتماعي وأقاربها، رغم الحاجة لتأكيد صحتها من مواقع إخبارية موثوق بها..‏

تبدو الشائعة نتاجاً للثقافة العربية، وفي دول الغرب الأوربي غالباً ما تنسب إلى العرب أو تسمى باسمهم، رغم أن هذه الدول هي أكثر من استخدم الشائعات في مواجهاتها السياسية والثقافية، من الحرب العالمية الأولى(وربما قبلها) ، فالحرب الثانية، مروراً بالحرب الباردة،ووصولاً إلى يومنا هذا ومع ذلك فإن المزاج العربي الميال إلى الحكايات المسموعة، وإلى المبالغات الخيالية يمثل أرضاً خصبة للحكايات الغريبة والمشوقة التي تأخذ شكل الشائعة، وإن جنحت عن المنطق في حالات كثيرة..‏

الشائعة ظاهرة قوية الحضور في المجتمع العربي والسوري ضمناً، منذ وقت طويل جداً، وقد ازدهرت كثيراً أيام الأزمات السياسية، وفي كل الأوقات المفصلية في التاريخ السوري المعاصر، حيث كانت تشكل مصدراً إخبارياً (شعبياً) واسع الانتشار، مع أن الأمر لم يقتصر يوماً على السياسة وحدها، وإنما كثيراً ما تطرق إلى حكايات وهمية مصاغة بطريقة مشوقة، وتهدف في حال كانت متعمدة، إلى إيصال رسالة ما إلى الجمهور، أو تكريس مفهوم شائع. أما في السياسة فالهدف كان أكثر وضوحاً: تحسين صورة شخصية سياسية، أو جهة سياسية لدى العامة، أو تشويهها، وأيضاً عبر حكاية مختلقة، أو محورة، أو مضخمة..‏

وقد يترجم انتشار الشائعة ميل الجمهور المسبق لتصديقها، لأنها تنسجم مع قناعاته، وغالباً مع رغباته..وبعض أسباب انتشار الإشاعة الضعف التقليدي لثقة الجمهور العادي بوسائل الإعلام القائمة، وقناعته بأنها تخفي عنه الكثير من المعلومات والحقائق والحكايات التي يحب سماعها.. وخلافاً للمفترض فإن نشوء وسائل إعلام (حرة) تنشر(افتراضياً) كل شيء لم يؤثر من قوة حضور الشائعة، بل إن الفضائيات واسعة الانتشار قد عمدت منذ سنوات إلى الاعتماد عليها كمصدر إخباري قادر على جذب الجمهور، وبشكل خاص الجمهور الذي لا يحاكم الخبر بالمنطق، ويهوى الخبر الغريب إما بدافع الفضول، وغالباً بحكم انسجامه مع فحواه.. ولأجل حماية مصداقيتها المهنية تقوم وسائل الإعلام تلك بنسب تلك الشائعات إلى مصادر إعلامية مستقلة عنها، أو التشكيك بفحواها ،إنما بعد أن تكون قد أشاعتها والطريف أنه رغم توفر عدد هائل من الفضائيات التي تبث الشائعات على مدار الساعة، فإن الشائعة التقليدية المتداولة بين الناس ظلت مزدهرة للأسباب السابقة، وغيرها، وأيضاً بفعل توفر وسائط جديدة لها ك(الفيسبوك) و(تويتر) و(اليوتيوب) ومنتديات التواصل الاجتماعي الالكترونية..‏

يدرك من يستخدم الشائعة، ويصنعها ويشيعها، أنها تملك قدرة تكريس حوادث وهمية،كوقائع ثابتة في ذهن الجمهور، أو على الأقل لدى قطاع واسع منه ليس مستعداً،حتى الآن على الأقل، لمراجعة تلك الحكايات ومحاكمتها عقلياً،وهو ما ساعد على تعميم صورة غير حقيقية عن الواقع.وتكريس حكايات هي أبعد ما تكون عما حصل فعلاً..‏

www.facebook.com/saad.alkassem

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية