وفي هذا السياق نذكر بأن الولايات المتحدة الأميركية التي أنشأت تنظيم القاعدة وأمدته بكل ما يلزمه للقتل والتدمير ونشر الفساد في البلدان التي لا تخضع للقرار الأميركي، أميركا التي قامت بكل ذلك ادعت أنها في حرب مع القاعدة ولهذا راحت كما أشاعت تجيش الحشود والأساطيل لاجتثاثها، وكانت حقيقة الأمر نية ورغبة أميركية في غزو العالم ونشر قوات الاحتلال الأميركي على أرض الغير.
واليوم يبدو أنه جاء دور الأوروبيين الذين انخرطوا في العدوان على سورية وشجعوا الجماعات الإرهابية وسهلوا لها الانتقال والدخول إلى أراضيها من اجل القتل وقطع الرؤوس وأكل الأكباد والقلوب وادعوا بأنهم يريدون نشر الحرية والديمقراطية ..لكن النتائج لم تكن كما رغب الأوروبيون وقبلهم الأميركيون ، وبات ما صدروه إلى سورية وبعد الفشل في تنفيذ المشروع الاستعماري فيها بات يقلق هؤلاء المعتدين وباتت صرخات الاعتراف بالأمر والتحذير من المستقبل تنطلق من صدورهم .وبعد تسريبات صحافية كثيرة و تداول إعلامي واسع جاء دور المسؤولين الرسميين وكان أول الغيث في ذلك ما صرح به وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس وتبعته في الأمر نظيرته البلجيكية جويل ميلكيه حيث أقر المسؤولان الأوروبيان بأن نحو2000 إرهابي أوروبي يقاتلون إلى جانب جماعات تابعة للقاعدة في سورية وأن هناك قلقاً حول مستقبل الأمن الأوروبي بفعل وجود هؤلاء واحتمال عودة قسم منهم إلى البلاد التي جاؤوا منها ليشكلوا عصابات وجماعات تكفيرية أيضا محملة بـ» ثقافة القاعدة» وأشباح ضحاياها من السوريين.... وعند الحديث عن «ثقافة القاعدة» يكون على المسؤول والمهتم بشأن الأمن أن يقلق خاصة إذا راجع مفاعيل هذه الثقافة على الأرض السورية وفقا لما أثبتته أيضا تقارير الاستخبارات الأمريكية التي ذكرت سابقا في تقرير مفصل نشرت بعض أجزائه في الواشنطن بوست حول نشاط المجموعات المسلحة في سورية حيث ذكر بان ما يسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» التابعة للقاعدة يضم آلاف المقاتلين الأجانب هم عمودها الفقري في عملياتها الحساسة وحالما يصلون إلى سورية يزودون بالأحزمة الناسفة ويهددون كل من يقف في طريقهم..إنهم يقتلون الأبرياء ويجهزون على الجماعات المدنية من غير رادع أو وازع ... نعم يفعلون هذا وأكثر لأنهم هواة قتل وتدمير لان القتل طريقهم للملذات الأبدية وهنا تكمن الخطورة في عقيدة وفكر هؤلاء.
ولكن الغرب الذي كان يطرب لهذا الأمر طالما أن الجرائم ترتكب على غير أرضه والضحايا والدماء التي تسفك هي من غير شعوبه، بدأ الآن كما يبدو يقلق ..لأن الأمر بدأ يأخذ وجهة أخرى مع تفلت جزء من الإرهابيين من السيطرة الغربية، ومع بدايات عودة قسم منهم إلى الغرب حاملا جنسية أوروبية أو أميركية تسهل له الدخول والحركة ومن ثم الفعل الإجرامي.. وهنا ستبدأ المعضلة الأمنية الغربية عندما تبدأ نار الإرهاب تضرم على أرضه وتتلظى شعوبه بلهيبها.
ها هو جوهر الخوف والقلق الذي بات الإعلام الغربي يعكسه في أكثر من موقف ومقال حيث نجد صحيفة نيويورك تايمز الأميركية تكشف عن قلق الولايات المتحدة من محاولات تنظيم القاعدة وفروعه العالمية جذب المزيد من الأميركيين وغيرهم من الغربيين لتدريبهم ثم إعادتهم إلى موطنهم للقيام بأعمال «جهادية» هناك، وبالفعل تؤكد الصحيفة وفقا لما يقوله مسؤولون أمريكيون وأوروبيون «أن العشرات مما يسمى الجهاديين الذين توجهوا من أوروبا من اجل القتال إلى جانب المجموعات الإرهابية المسلحة في سورية بدؤوا بالعودة إلى بلادهم ويشتبه بتخطيط بعضهم لهجمات ارهابية ويورد الإعلام الغربي العشرات من المواقف التي تتحدث وتبدي القلق حول هذا الموضوع. ما حدا بالغرب للتحضير- كما يشاع الان - لحرب جديدة ضد الإرهاب العالمي الذي بات متمركزا في سورية لتطويقه ومحاصرته ومنع انتقاله إلى اوروبا وتهديد أمنها.
ولكن السؤال الذي يطرح هنا هل الغرب الذي استفاق الآن على الخطر الإرهابي الذي صنعه ورمى به سورية ليحرقها هل انه كان غافلا عن مخاطر فعلته؟ أم انه راهن على قدرته لإبقاء الأمر تحت سيطرته ؟ والبقاء بمنأى عن المخاطر؟
لقد حذر السيد الرئيس بشار الأسد منذ ان اعتمد الغرب الطرق الإرهابية لإسقاط سورية، حذر من مخاطر الإرهاب لأنه وحش يفترس من يحتضنه ويربيه، ولم يعر الغرب للتحذير يومها إذنا صاغية، واليوم ومع بدء اقتراب الخطر من الأبواب الغربية الأروبية والاميركية هل يعترف الغرب بخطئه، لا بل جريمته بحق سورية وهل يعترف لها بفضلها في الحرب على الإرهاب خدمة للإنسان السوري أولا وللمنطقة وللعالم؟ أم إن المكابرة والتعنت ستمنع الغرب كالعادة من قول الحقيقة؟