تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


نافذة.. نحو دور تركي حيادي فاعل

آراء
الخميس 21-1-2010م
سليم عبود

الحديث عن تركيا بات يستهوي كتاب المقالات السياسية والمشتغلين في السياسة ليس في العالم العربي وحسب وانما في العالم كله، نظراً لأهمية دور تركيا الجديد، وتأثيراته على مجريات الاحداث اقليمياً ودولياً.

إن تركيا بدورها الاقليمي الراهن، تحولت من وضع التابع والمرتهن للسياسات الغربية والاسرائيلية الى دولة ذات مواقف فاعلة تتسم بالاستقلالية والسيادية بما يخدم مصالح تركيا ومواقفها السيادية ويعزز دورها الاقليمي، أي من الحالة التي كانت تركيا فيها لمصلحة مشاريع الغرب وفي خدمة السياسات الاسرائيلية الى حالة التلاؤم والتوافق والتصالح مع تاريخها وثقافتها وروابطها الجغرافية.‏

إن هذا التحول السياسي في الاداء والموقف جعل من تركيا دولة مهمة ومحورية فتركيا اليوم غير تركيا الامس من حيث استقلالية الدور وفاعليته وانسجامه مع ثقافتها وتاريخها ووضعها الطبيعي كدولة ترتبط بالمنطقة جغرافياًوثقافياً وحضارياً ، لهذا فإن الازمة الاخيرة بين تركيا واسرائيل بسبب اساءة اسرائيل لسفير تركيا لم تمر كما كانت تمر في الماضي البعيد، فتركيا انتصرت لكرامتها وسيادتها، والازمة لم تنته بعد ومرشحة لمزيد من التصعيد لأن اسرائيل ستستمر بسياساتها العنجهية العنصرية العدوانية على دول المنطقة وسيادتها وفي استمرار حصارها على غزة وفي الاساءة للمقدسات المسيحية والاسلامية في القدس، وهذا بحد ذاته اساءة لتاريخ وثقافة وحضارة تركيا.‏

إن الاعتذار الذي قدمته تل ابيب للحكومة التركية على اساءتها لسفيرها والاعتذار الذي كان قدمه شمعون بيريز للرئيس أردوغان بعد حادثة دافوس المعروفة لن يغيرا في طبيعة العلاقات الاسرائيلية التركية المتوترة لأن تركيا أصغت لقلبها المشرقي فهي مقتنعة أن السياسات العدوانية التي تمارسها اسرائيل في المنطقة تمثل اعتداء صارخاً على شعوب المنطقة المحبة للسلام والامن، وبالتالي تعبر عن طبيعة الكيان الصهيوني العنصرية والتوسعية.‏

إن تركيا اليوم تقف هذه المواقف الهامة تجاه قضايا المنطقة لأنها استجابت لنداء قلبها المشرقي فهي بمواقفها هذه تتصالح مع تاريخها وثقافتها ومحيطها الجغرافي بعد عقود من الاغتراب، وتدرك أن ابتعادها عن تاريخها وثقافتها وجغرافيتها طوال المرحلة الماضية، لم يكسبها دوراً فاعلاً في حياة المنطقة ولم يحل مشكلاتها الاجتماعية والاقتصادية انما زاد في ضعفها وفي ابتعادها عن محيطها الاقليمي وجعلها في عزلة وتبعية للغرب وفي خدمة اسرائيل التي تستهدف تفكيك المنطقة بما في ذلك تركيا نفسها كما جاء في كثير من الخرائط الاسرائيلية والاميركية في اطار اقامة مشروع الشرق الأوسط الكبير، الجديد، وكما ورد في تصريحات شارون رئيس وزراء اسرائيل الاسبق.‏

يقول أحد كتاب المقالات في صحيفة حريت (التركية): يعود قلب تركيا المشرقي اليوم للعمل ، تتفتح شرايينه بدفق دم نقي على جواره التاريخي والثقافي عبر البوابة السورية، فالعلاقات السورية التركية تتخطى الحالة السابقة،الى الوضع الطبيعي الذي كان يجب أن يكون. لقد نجحت تركيا في استعادة نفسها ودورها بعودتها الى بيئتها الجيوسياسية ونجحت في معالجة مجمل شؤونها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وفي اداء سياسة مستقلة من تأثيرات الغرب واسرائيل.‏

إن تركيا اليوم بمواقفها تنحاز الى السلام والحق والعدل والى قضايا المستضعفين والمعرضين للعدوان الاسرائيلي، فالموقف التركي من عدوان اسرائيل على غزة ومن استمرار الحصار على القطاع ليس موقفاً مصطنعاً وليس موقفاً ينشد مغازلة العرب وهم في أشد حالاتهم تفككاً وارتهاناً للغرب، وانما هو موقف يعبر في بعده وعمقه الاستراتيجيين عن حالة هي نتاج الروابط الثقافية والدينية والتاريخية، ونتاج طبيعي لموقف الشارع التركي الرافض للعدوان على غزة والعدوان على لبنان ولاحتلال اسرائيل للأراضي العربية ،لأن جذور هذا الشارع الثقافية والتاريخية المرتبطة بالشرق لازالت حية ولم تستطع العقود السابقة فرض اليباس عليها.‏

لقد أوردت صحيفة حريت بتاريخ 14/1/2010 أن الشارع التركي يطالب بإلقاء القبض على وزير الحرب الصهيوني باراك في حال جاء أنقرة ومحاكمته كمجرم حرب لدوره في العدوان على غزة، وذكرت الصحيفة أيضاً أن الرئيس غول ورئيس الوزراء أردوغان رفضا اعطاء باراك أي مواعيد للقائه في أنقرة وكان قد تحدث عن القوة النووية الاسرائيلية وأنها تشكل خطراً على المنطقة وهو مالم يجرؤ قادة الغرب المنشغل بالبرنامج النووي الايراني على الحديث عنه بشكل علني.‏

إن تركيا اليوم عبر علاقتها الحميمية مع سورية تحقق بعدها الاستراتيجي من خلال قناعة البلدين بأهمية هذه العلاقات التي تؤسس لعلاقات تركية عربية ولعلاقات اقليمية ناجحة تساهم في استقرار المنطقة ونهوضها الاقتصادي وتساهم في بعث الامل والثقة بأن كل الخرائط التي تعمل اسرائيل واميركا على رسمها للمنطقة ستبوء بالفشل، لأن الشرق الاوسط الجديد تبنيه دول المنطقة وفقاً لمصالحها وتطلعاتها وثقافتها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية