أن الصين ستتجاوز اليابان في إنتاجية العمل النهائية المجسدة في كمية السلع المنتجة ونوعيتها وتسويقها، وبالتالي فإنه في عام 2010 ستحتل الصين المركز الثاني من حيث القدرة الاقتصادية بعد الولايات المتحدة الأميركية، وقبل التوصل إلى هذه النتيجة، فقد لاحظ الخبراء أن الصين احتلت في عام 2009 المرتبة الأولى في تصدر السلع الجاهزة، وبلغت قيمة بضائعها المصدرة 1.2 ترليون دولار، وبذلك تجاوزت الولايات المتحدة واليابان وحتى ألمانيا التي انتظرت أن تصل قيمة صادراتها لنفس الفترة 1.17 ترليون دولار، ورغم الأزمة الاقتصادية التي تأثرت بها الصين نسبياً، إلا أنها تجاوزت جميع الدول التي تعاني اليوم مرحلة الركود الاقتصادي، بينما الصين شهدت نهوضاً نسبياً مقارنة مع الاقتصاديات الكبرى العالمية، علماً أن التصدير الصيني تقلص عام 2009 بنسبة 16٪ بالمئة، بينما الصادرات الألمانية تقلصت أكثر بكثير من هذه النسبة، والركود الاقتصادي الذي يأتي عادة بعد الأزمة، ساعد الصين على اللحاق بالاقتصاد الياباني، لأن اليابان خسرت خلال أعوام 20٠7-2009 نحو 9٪ بالمئة من إجمالي إنتاجها الوطني، والمشكلة ليست مرتبطة فقط بالأزمة الاقتصادية الرأسمالية التي بدأت عام 20٠8، بل المشكلة أن الاقتصاد الياباني ومنذ ثلاثين عاماً، يواجه مشكلة الطلب الداخلي المتواضع، فاليابانيون كما يقولون عن أنفسهم إنهم خلال المرحلة مابعد الحرب العالمية الثانية، فضلوا العيش بشيء من التقشف بهدف تحقيق «المعجزة الاقتصادية» ولكن الجيل الجديد الحالي يطمح للراحة على خلاف ذلك جيل مابعد الحرب، فالقوى العاملة اليابانية وخلال عشر سنوات تقلصت بنحو 7.6 ملايين شخص أي نحو 10 ٪ بينما عدد المتقاعدين أصبح أكثر والعمال النشطاء تراجعت أعدادهم.
في اليابان الآن، حكومة جديدة برئاسة الحزب الديمقراطي، ولديها توجه بزيادة النفقات على زيادة الولادات وتحسين التعليم واستثمار القوى البشرية ولكن في عام 2010 الحالي نتائج هذا التوجه الجديد لن تظهر حتماً في هذا العام على أقل تقدير.
وجل ما يمكن تحقيقه قد لايتجاوز الـ 1٪ فقط، بينما الصينيون لاتنقصهم القوى البشرية ولا الاستثمارات وعموماً لايوجد في هذا الإطار مايمكن التأكيد على حتميته، فالصين وعلى خلاف الدول الأخرى، تعمل ومنذ أكثر من عشر سنوات على الأقل لتصبح الدولة الأولى في العالم من حيث الوطن الصناعي والتكنولوجي على وجه الخصوص، بينما الدول الكبرى الأخرى بما فيها اليابان، مازالت تعاني من تقلص في نسبة نموها الاقتصادي لأسباب مختلفة، وإذا ماحقق اليابانيون «المعجزة الاقتصادية» عقب الحرب العالمية الثانية، فإن مثل هذه المعجزة يحققها الصينيون اليوم، وأمامهم آفاق هائلة للتطور، بما لايتمتع بمثلها أي بلد آخر، وحسب تقديرات العالم الاقتصادي الأميركي المشهور روبرت فوغل، فإن الصين وإذا استمرت في نفس الوتيرة الحالية من التطور، وكذلك الدول الكبرى الأخرى، فإن الصين ستصبح الدولة الصناعية الأولى الكبرى في العالم في عام 2040 وستبلغ قيمة مجمل إنتاجها الكلي 123 ترليون دولار، وهذا الرقم يساوي مثلي قيمة ما أنتجه العالم بأكمله عام 2000، والذي يعني أن دخل الفرد الصيني سيصبح 85 ألف دولار سنوياً، وهذا الرقم هو ضعف دخل الفرد في الاتحاد الأوروبي لنفس الفترة.
وفي هذه الحالة فإن الاقتصاد الصيني ستكون حصته في الاقتصاد العالمي نحو 40٪ بالمئة، بينما الولايات المتحدة 14٪ بالمئة والاتحاد الأوروبي 5٪ بالمئة فقط وحسب تقديرات الاقتصادي العالمي فوند كارنيغ، فإن الاقتصاد الصيني سيتجاوز الاقتصاد الأميركي بنسبة 20٪ في عام 2050 ويعتمد كارينغ في استنتاجاته على واقع إنتاجية العمل بالنسبة للفرد في الصين والعالم، وعلى نسبة العاملين المؤهلين علمياً، واستند على نسبة المتعلمين بين عامي 1998 حتى 2002 فخلال هذه الفترة فقد زادت نسبة المتعلمين في الصين 165٪ بالمئة وفي عدد الطلاب الدارسين في الخارج زادت بنسبة 152٪ ومازالت الصين تحافظ على هذا التطور العالمي في التعليم متفوقة على جميع دول العالم بما في ذلك على الولايات المتحدة، وهذا مايفسر لماذا الرئيس الأميركي باراك أوباما طرح مشروع إصلاح التعليم في الولايات المتحدة الذي بات متخلفاً بالمقارنة مع الصين.
ويقول الاختصاصيون الغربيون، إذا كانت الصين قد حققت هذه القفزة النوعية في تطورها الاقتصادي في ظل الاقتصاد الموجه المركزي فهل يحتاج الغرب بعد ذلك إلى مايسمى الليبرالية الاقتصادية التي لم تثبت جدواها النهائية في التطور الاقتصادي الكلي وخاصة الصناعي؟ وفي جميع الأحوال ورغم تمسك الصين بأيديولوجيتها، فإننا غير قادرين إلا على احترامها، ولم يعد من الممكن الضغط على الصين أو تقليص التعامل معها مهما بذل خصومها من جهود؟!.