حدث هذا في أعقاب جلسات مغلقة انعقدت في قبو من أقبية البنتاغون على مدى أسبوعين شارك فيها وزير الدفاع في إدارة باراك أوباما، وفي تشرين الأول من العام الفائت تنبأ البريغادير مارك كارلتون سميث قائد القوات البريطانية في هلمند أن بلاده «لن تكسب الحرب».
الآن تؤكد جميع التقارير أن الشهور الأخيرة شهدت زيادة هائلة في عدد الهجمات التي تعرضت لها قوات حلف الأطلسي وصار من المؤكد أيضاً أن أكثر من نصف أفغانستان يخضع لسيطرة طالبان، ورغم الزيادة الكبيرة في عدد القتلى من الجنود البريطانيين يصر المسؤولون في بريطانيا على أن الحرب سوف تستمر وأن قواتهم «موجودة في أفغانستان لحماية بلادنا من خطر الإرهاب» وعاد البريطانيون والأميركيون إلى التركيز على نغمة أن هذه الحرب دائرة لحماية المدن البريطانية والأميركية من هجمات «القاعدة» بل إن باراك أوباما نفسه قال: «سنحبط ونفكك ونهدم «القاعدة» في باكستان ونمنع عودتها إليها في المستقبل» الأمر الذي يعني أن بريطانيا وأميركا قررتا منح الأولوية إلى أهداف غير تلك التي استخدمها وركز عليها بوش لتبرير شن هذه الحرب، مثل إعادة بناء أفغانستان وتمكين المرأة الأفغانية وتثبيت دعائم الديمقراطية.
لكن وقائع عديدة تكشف عن أن هذه الحرب والأساليب التي استخدمها المبعوثون السياسيون المرافقون للجيوش وبينهم خبراء وعلماء سياسة جعلت من أفغانستان نموذجاً للفساد في أبشع صوره، ومثالاً على سخف سياسات بناء الأمم أو إعادة بنائها حسب تصورات «غربية» عن هذه السياسات .يقول الجنرال دايفيد تشارد قائد القوات البريطانية: «إن إعادة البناء في أفغانستان تحتاج إلى أربعين عاماً بشرط استمرار بقاء قوات الاحتلال الأجنبية».
أفغانستان نموذج فساد، ونموذج لحالة حرب لعلها الأطول في التاريخ، حرب عمرها 2000 سنة، وأفغانستان نموذج مجسم لنظام سياسي قائم على التوازنات القبلية والفقر المتوحش والجهل الموروث، ولكنها أيضاً مقياس لقياس التخلف السياسي في أمم كثيرة، وبالتخلف نقصد الاستبداد والفساد وأوهام الاحتماء بالأجانب وتسخير الدين لتحقيق مكاسب سياسية وقبلية.
يقول ضياء مجددي سفير أفغانستان في بولندا: إن لأعضاء حلف الأطلسي أو لمعظمهم على الأقل رجالاً في مجلس الوزراء الأفغاني لايخضعون لتعليمات أو توجيهات الرئيس قرضاي، كل رجل من هؤلاء يحتمي بالدولة الأجنبية التي اختارته ليمثل مصالحها في المجلس وتدفع له مكافآته، ويستطرد السفير قائلاً: إن عضو حلف الأطلسي الذي يشترك في المعونة المقررة لأفغانستان يصدر التوجيهات إلى ممثله في المجلس في كل مايتعلق باحتياجاته وأنصبته في الصفقات والوكالات، يفعل الشيء نفسه أمراء الحرب وزعماء القبائل الكبرى.
تحكي اليزابيت روبين في مقال رائع نشرته مجلة «نيويورك تايمز» حكاية وزير الداخلية في حكومة قرضاي زرار أحمد مقبل المعروف بأنه يستضيف في مبنى الوزارة عصابات الجريمة المنظمة، الدولية منها والمحلية على حد سواء، ويخصص لكل منها مكتباً وموظفين تابعين لهذه المنظمات في الوزارة لتسهيل أعمالها مقابل رشاوى هائلة، ويبدو أن الرئيس قرضاي حاول إزاحة الوزير بضغط من القيادة البريطانية، فإذا بمندوبة المخابرات الأميركية في كابول تتدخل لمصلحة الوزير. تقول التقارير إن الوزير يتمتع بحماية جاسوسة أميركية معروفة لها «أفضال كثيرة على أفغانستان».
وتتابع لقد شاهدنا صور السفير الأميركي في كابول في المؤتمرات التي عقدها المرشحون المنافسون لحميد قرضاي، وسمعنا عن ثورة حميد وغضبه على سفير الدولة التي تنفق عليه وعلى مستشاريه وكبار رجال دولته، تتولى حمايته وحمايتهم وتحتل نصف بلاده بالعسكر وبقوات شركات الأمن الخاصة وقوات حلف الأطلسي، قال: «هذا تدخل أجنبي غير جائز وخرق للسيادة الوطنية لايمكن السكوت عليه؟! حميد قرضاي الذي ينتقد ظهور السفير الأميركي أو استقباله المرشحين المنافسين لايجد غضاضة في لفت نظر الزوار والدبلوماسيين الأجانب الذين لايعودون من السفر بهدايا مناسبة للقصر، هذه الهدايا لايعتبرها أهل قصر الأرج، قصر الرئاسة في كابول تدخلاً أجنبياً.