تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حديث البدايات

إضاءات
الثلاثاء 24-7-2018
سعد القاسم

أمس احتفل تلفزيوننا بالعيد الثامن والخمسين لتأسيسه، وكان طبيعياً أن تتضمن البرامج الاحتفالية التي عرضتها جميع قنواته استعادة للحظة بدء البث في الثامنة من مساء 23 تموز عام 1960، أو (لحظة اللقاء بالتلفزيون العربي، هذا الصديق الجديد،

الذي يدخل بيتكم لأول مرة)، -على حد تعبير الدكتور صباح قباني في افتتاح الإرسال- اللقاء، (وكم كان الطريق إلى اللقاء شاقاً ومضنياً، وكم سفح فيه من العرق والجهد والتضحيات). لكن لحظة اللقاء سبقتها فعلياً تحضيرات امتدت لسنوات، وبدأت من القاهرة.‏

إثر قيام ثورة 23 (تموز) في مصر الشقيقة عام 1952، قاد الكيان الصهيوني حراكاً غربياً لكبح طموح الثورة وتعطيل مشاريعها التنموية، وفي مقدمتها مشروع السد العالي إلى أن تم إلغاء قرار تمويله من البنك الدولي، ورافق هذا الحراك حملة إعلامية مضللة بهدف شيطنة النظام المصري وتشويه صورته، بلغت أوجها بعد قيام مصر بتأميم قناة السويس انطلاقاً من حقها في السيادة على أرضها، ولتوفير الموارد اللازمة لخططها التنموية، ومع بدء التحضيرات للعدوان الثلاثي الإسرائيلي- الفرنسي - البريطاني على مصر شنت التلفزيونات الغربية المؤيدة للعدوان حملة إعلامية، وتصاعدت الحملة الإعلامية على مصر وعلى الرئيس جمال عبد الناصر خاصة، وهو ما دفع بالزعيم الراحل إلى طلب إعداد دراسة لإنشاء تلفزيون وطني إدراكاً منه لأهمية هذا الجهاز الإعلامي في مواجهة التضليل والتزييف الذي يقوم به الإعلام المعادي، وفي تنمية الوعي القومي، ونشر الثقافة والمعرفة.‏

حين بدأ العدوان الثلاثي عطلت القوى المعتدية بث الإذاعة المصرية وعلى الفور حلت الإذاعة السورية محلها وانطلق صوت مذيعها عبد الهادي بكار يصدح بعبارة: (هنا القاهرة من دمشق) مؤسساً على أرض الميدان لأول عمل إعلامي مشترك بين الدولتين الشقيقتين، وبعد سنتين كانت مشاعر السوريين وأحاسيسهم القومية المتدفقة التي تجلت بأسمى صورها خلال العدوان على مصر، قد صنعت دولة الوحدة، فكان أمراً حتمياً أن يبدأ الإرسال التلفزيوني من القاهرة ودمشق في اللحظة ذاتها، وبدأ عشرات المهندسين والفنيين والعمال يحثون الخطى لإنجاز استوديو الإرسال التلفزيوني الأول استعداداً للحظة البث التي تقرر أن تكون عند الساعة الثامنة من مساء يوم الثالث والعشرين من تموز، وهي اللحظة ذاتها التي كان سيبدأ فيها البث التلفزيوني من القاهرة عاصمة الجمهورية العربية المتحدة، وكان التلفزيون في كلا الإقليمين الشمالي والجنوبي يحمل اسم التلفزيون العربي مضافاً إليه اسم دمشق أو القاهرة.‏

وقع الخيار على الإعلامي والمثقف العريق صباح قباني ليؤسس التلفزيون في سورية، وليكون أول مدير له، وكان هذا الخيار بحد ذاته عنواناً يؤشر لتوجه هذا الوافد الجديد، وفوق قمة قاسيون جبل دمشق الخالد، وعلى ارتفاع ألف ومئتي متر عن سطح البحر أقيمت محطة الإرسال التي كان عليها أن تغطي في المرحلة الأولى مدينة دمشق. ومن غرفة فيها لا يتجاوز طول جدارها الأكبر العشرة أمتار قُدمت البرامج ونشرات الأخبار والتمثيليات والفقرات التلفزيونية المنوعة على الهواء مباشرة قبل أن تتوفر للمولود الجديد أجهزة التسجيل التلفزيونية. أما الطريق إلى محطة الإرسال فقد كان محفوفاً بالمخاطر والصعوبات التي كان على العمال والفنيين والمهندسين والإعلاميين مواجهتها كل يوم أثناء تشييد المبنى وتجهيزه ومن ثم مع بدء الإرسال التلفزيوني.‏

بدأ الناس يشاهدون على الشاشات الفضية في بيوتهم الأعمال التلفزيونية الأولى التـي أعدت بكثير من الأناقة، واتشحت بالثقافة، والمتعة الراقية معتمدة على مجموعة صغيرة من الإعلاميين الأكفاء، جاء معظمهم من الإذاعة، كمدير الأخبار حسن بحبوح، والمذيعين المخرجين: عادل خياطة وخلدون المالح وسامي جانو، والمذيع والفنان التشكيلي مروان شاهين، والمذيع عبد الهادي البكار. كما استعين في إعداد البرامج الأولى بالسيدة هيام طباع التي أعدت وقدمت أحد أكثر برامج الأطفال تألقاً ورسوخاً في الذاكرة، وناديا الغزي المحامية والأديبة صاحبة برنامج (البيت السعيد) الذي عرض على شاشة تلفزيون القاهرة أيضاً ونال نجاحاً واسعاً. ومن جهة ثانية أولى القائمون على التلفزيون الدراما اهتمامهم منذ اللحظة الأولى، فاستقدم من المسرح الجامعي وصفوف الهواة شبان موهوبون كان منهم دريد لحام، والفنان التشكيلي الراحل غازي الخالدي ورفيق سبيعي. ومن مسارح المحترفين عدد من الفنانين المتميزين أمثال عبد الرحمن آل رشي، ونهاد قلعي، وعدنان عجلوني، وثراء دبسي، ونزار شرابي، وفاطمة الزين، وتضمنت برامج المنوعات الأولى التي أخرجها خلدون المالح مشاهد درامية أسست للكوميديا التلفزيونية، وشهدت بدايات تكون الثنائي الناجح: دريد ونهاد، والظهور التلفزيوني الأول لعدد من نجوم الكوميديا السورية، وفي مقدمتهم رفيق سبيعي، ومحمود جبر، في حين كان عادل خياطة يضع توقيعه على أول عمل درامي تلفزيوني سوري، وهو (ثمن الحرية) الذي كان يدور حول نضال الشعب الجزائري في سبيل حرية واستقلال بلاده. والمؤكد أن اختيار هذا الموضوع للعمل الدرامي التلفزيوني الأول يترجم التوجه الوطني والقومي والتقدمي للتلفزيون في سورية منذ لحظة ولادته، وهو التوجه الذي حافظ عليه على امتداد العقود الستة التالية مترفعاً عن السطحية والإسفاف، متمسكاً بالمصداقية والإحساس العالي بالمسؤولية الاجتماعية والوطنية والقومية والإنسانية. www.facebook.com/saad.alkassem ">‏

www.facebook.com/saad.alkassem ‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية