وتتمثل في مسائل الوحدة العربية، وتحرر المرأة، والبرج العاجي، أو حسب التعبير السائد آنئذٍ: (الفن للفن)، والذي اقترن بالحكيم لفترة طويلة من تاريخه.
فقد كتب ابراهيم مجاهد الجزائري، المحامي الحلبي، تحت عنوان (أمل الأرض ـ إلى توفيق الحكيم) مقطوعة طريفة، ننقل منها هذه السطور التي تضارع قصيدة النثر، وكانت مجلة (العالمان) الدمشقية قد نشرتها بتاريخ 4 / 9 / 1944.
بينما أنت في برجك العاجي
مترفعاً عن الأرض، في السماء
مأخوذاً بروعة الوحي
ثملاً بخمرة الفن
متأملاً في الماضي
ذلك الماضي الحزين
ومتخيلاً في الآتي
ذلك الآتي البهيج
أبشرك بمولود جديد
ولدته أمه بعد عقم الدهور
أمل الأرض
حلم الأرض وحلم السماء
وسمّه إن شئت «عودة الروح»
أو الوحدة العربية.
لقد نسب إلى توفيق الحكيم آنئذٍ قوله بسطو فؤاد الشايب على روايته (عصفور من الشرق)، وذلك في فاتحة مجموعة الشايب القصصية (تاريخ جرح)، والمقصود قصته (الشرق شرق). كما نسب إلى الحكيم اتهام صلاح الدين المنجد بسرقة فصل من كتابه (تحت المصباح الأخضر)، وعنوان الفصل هو: (هل تنقص المرأة بعض المواهب الفنية؟)، وذلك فيما كتبه المنجد تحت عنوان (المواهب الفنية عند المرأة). وأخيراً، نسب إلى الحكيم اتهام صلاح الدين المنجد بالكذب في دعواه أنه أول من كتب الأساطير في قالب تمثيلي، وذلك في مقدمة (إبليس يغني)، فتوفيق الحكيم يدعي السبق إلى ذلك بعشر سنين خلت، في مسرحياته الذهنية المعروفة.
جاءت حملة الحكيم هذه، في مجلة (الصباح) المصرية (العدد 931). وقد رد عليه صلاح الدين المنجد في مجلة المكشوف اللبنانية (العدد 378). فنفى أنه نشر مقالاً بذلك العنوان المتهم، وما نشره هو مقال (نبوغ المرأة)، وهو ملخص عن كتاب (الأدب النسوي في فرنسا)، وفي المقال ملاحظات حول وداد سكاكيني. أما دعوى السبق إلى مسرحة الأساطير، فقد أوضح المنجد أنه حوّل عدداً من الأقاصيص الشرقية الأسطورية إلى روايات (تمثيليات) صغيرة في كتابه (إبليس يغني)، وهو يتمسك بدعوى السبق في ذلك.
إضافة إلى صلاح الدين المنجد، رد فؤاد الشايب على توفيق الحكيم في العدد التالي من مجلة (المكشوف)، متحدثاً عن قصته الظنينة (الشرق شرق) وعن رواية توفيق الحكيم (عصفور من الشرق) مبرئاً ساحته.
ترى، هل كانت هذه المعركة التي دارت على صدر صحف دمشقية وبيروتية وقاهرية، مجرد زوبعة صحفية؟
لقد أرسل توفيق الحكيم فيما بعد إلى مجلة (المكشوف) بياناً، ينكر فيه كل ما نسب إليه، ويتحدث عن المزاح وأحاديث المجالس التي يصطاد فيها الصحافيون، وطلب تعميم بيانه على المجلات، فماذا يعني ذلك؟
يمكن القول إن هذا الذي دار بين العواصم الثلاث، وبين الأدباء الثلاثة، مهما كان دور الصحافة فيه، فهو قد قدم للنقد ما يهم حول (مسرحة الأساطير)، وحول مقارنة النصوص، وتحديداً، تلك التي تتصل بالتجربة الأهم في الأدب العربي الحديث، تجربة احتكاك الشرق بالغرب.
وقد زاد هذه المعركة حول الحكيم إثارةً وحدّة، اقترانها بمعركة مماثلة شهدتها مجلة (أنوار) الدمشقية، حول طه حسين، حيث وصفته المجلة المذكورة في عدد 18 / 10 / 1945 بأنه غراب أجنبيّ، تزيّى زمناً بزيّ عربي، ورددت مجلة (أنوار) اتهامات اسماعيل مظهر الشهيرة لطه حسين بالعمالة للصهيونية. ثم تركزت الحملة على مجلة (الكاتب المصري)، وسماها كاتب هذه السلسلة من المقالات (أبو النور، وهو اسم مستعار) بمجلة (يهوطاها) أي يهود + طه وذلك في عدد 18 / 10 / 1945. وكانت المجلة قد نشرت في بداية المعركة في عدد 26 / 7 / 1945. اقتراحاً يحمل توقيع (جماعة من الكتاب) بلا أسماء، يطالب بمنع دخول مؤلفات طه حسين إلى البلاد، بسبب معايشته للفرنسيين.
يبدو أن هذه المعركة مع طه حسين لم تكن بمعزل عن المناخ السياسي الذي اكتنف سورية إذ ذاك، حيث برزت ردة فعل عنيفة ضد الثقافة الفرنسية. وعلى كل حال، فالوزن النقدي لهذه المعركة أخف بكثير من وزنها الصحفي، على العكس من المعركة السابقة مع توفيق الحكيم والتي تذكر بالمعارك النقدية الأثيرة في الأدب العربي القديم: معارك السرقات. ومن اللافت أن الكتابة التي تهاجم توفيق الحكيم لهذا السبب أو ذاك، لم تنقطع، ومن أمثلتها الصارخة ما كتبته لمياء فكري بعنوان (بيني وبين قبضة من الأدباء) حيث اختلط حديث الأدب بالموقف النسوي. وقد أصابت حملة الكاتبة مع الحكيم: محمد البزم، علي الطنطاوي وذلك في مجلة اليقظة العربية الدمشقية، السفر الأول 1946.