أهمية خاصة رغم أنه معرضه الفردي الرابع والخمسون، ذلك أن سنوات عدة تفصله عن معرضه السابق في دمشق، وهي بعض أسباب شوق جمهور الفن التشكيلي لمشاهدة أعماله الجديدة، غير أن السبب الأساس يكمن في معرفة هذا الجمهور بأعمال جديد الساحرة، ومحبته لها.
في عام 1946 تفتحت عينا غسان جديد على صورة أمواج البحر المتلاشية على بعد أمتار قليلة من منزل عائلته في طرطوس، فأثارت تلك الصورة اهتمامه إلى حد إلهائه عن طعامه، كما أيقظت روح الموهبة المتجذرة في أعماقه، وسرعان ما وجد نفسه يلجأ إلى الأوراق والألوان يترجم من خلالهما إحساسه المرهف بالجمال، ذلك الإحساس الذي وضعه في مصاف الفنانين المبدعين ولما يزال في مرحلة الطفولة، فكان يرسم زملاءه، و لزملائه، في المدرسة، وصارت رسومه تلفت نظر أساتذته فتلقى تشجيعهم، كما لقيت تشجيع الفنان لؤي كيالي، الذي أعجب غسان بأعماله منذ عمر مبكر، والذي تعرف عليه خلال زيارة لؤي لطرطوس ففتح أمامه بوابة الوسط التشكيلي والثقافي في دمشق، واكتشف الناقد الراحل عبد العزيز علون خصوصية تجربته وروحها العفوية فأهداه كتاباً عن بول كلي الفنان الألماني السويسري صاحب عوالم الخيال الساحرة. من المرجح أن غسان جديد وجد في تجربة بول كلي ما يلتقي مع توجهاته الفنية، وحتى مع طريقته في التفكير، بحيث يستعيد طلب زوجة كلي من الصحفيين ألا يسألوه أسئلة مرهقة.
كانت الفرصة الحاسمة التي تنتظر موهبة غسان عندما أعلنت وزارة التربية عن بعثة داخلية للدراسة في كلية الفنون الجميلة تقدم لها الآلاف من مختلف المحافظات، وكان هو بين مجموعة تُعّد على الأصابع تم قبولها، وفي الكلية درس على أيدي المعلمين الكبار فاتح المدرس والياس زيات ونذير نبعة ولؤي كيالي الذي ربطته به صداقة قوية كرستها رحلاتهما الفنية المشتركة إلى جزيرة أرواد. وأثناء سنوات الدراسة حاول، أسوة بزملائه، الحصول على ساعات تدريس للتربية الفنية في ثانويات دمشق، لكن الطريقة التي رسم بها في الاختبار الذي أجراه له الفنان ممدوح قشلان (الموجه الفني في مديرية التربية حينذاك) أدى إلى إخفاق محاولته، غير أنه في الوقت ذاته فتح أمامه طريقاً أكثر انسجاماً مع موهبته وميوله الفنية حين وجهه الفنان نذير نبعة نحو مجلة أسامة فوجد نفسه يرسم لأطفال المجلة إلى جانب كبار الفنانين السوريين. ولا يمكن معرفة كم ساهم هذا في حفاظ موهبته على عفويتها الساحرة، التي لازمتها منذ الطفولة مروراً بمرحلة الدراسة الجامعية، وحتى اليوم.
في نهاية سنوات الدراسة الثرية التي جمعته بطلاب متميزين أمثال عبد الله مراد وفؤاد أبو سعدة، قدّم مشروعاً عن البحر، ومنحتهم الكلية جميعاً عام 1971 إجازتها بدرجة امتياز شرف، وبحكم كونه موفداً من وزارة التربية فقد عاد ليعمل بها أستاذاً ثم موجهاً للفنون، وخسرت كلية الفنون الجميلة فرصة تدريسه فيها. وكما سبق، فإنه منذ بدأ عرض أعماله للجمهور، وحتى اليوم، أقام 54 معرضاً فردياً داخل سورية وخارجها، إضافة إلى مشاركته في المعارض الجماعية. وعلى امتداد السنوات الوفيرة التي أبدّع فيها لوحاته الممتعة. لم تتنازل تجربته الثرية عن صفتيها المميزتين، أولهما المشهد الطرطوسي الرائع الذي لم يغب عنها، وثانيهما تلك العفوية المدهشة التي تصوغ هذا المشهد، محافظة على تجددها كل مرة، وكأنه يحقق مقولة بيكاسو عن أن كل طفل يولد فناناً، والمهم أن يحافظ الفنان على الطفل فيه.
www.facebook.com/saad.alkassem