بعد أن تحول الاقتصاد بفعل فاعل من اقتصاد إنتاجي إلى حد ما إلى اقتصاد ريعي يعتمد على استيراد أكثر من 90% من احتياجاته من الخارج، وأصبحت الوظيفة الحكومية تنفيعة لهذا السياسي أو ذاك حسب التصنيف الطائفي الذي يتفرد فيه لبنان.
يقول البعض إن الحراك تأخر كثيراً لأن اللبنانيين يعرفون منذ زمن بعيد أنهم سيصلون إلى حافة الهاوية، لكن العارفين ببواطن الأمور يدركون أن الدول التي حركت الناس فجأة لأسباب واهية كان من الممكن أن تمر كضريبة الواتس اب كما مرَّ غيرها كانت ترقع الاقتصاد اللبناني عبر قروض مرتفعة الفوائد حتى تعدى الدين الخارجي والداخلي الـ 100 مليار دولار وأصبح لبنان رهينة للبنك الدولي والدول الدائنة والمصرف المركزي وبقية المصارف التي يملكها السياسيون. وهؤلاء الذين يعتبرون أن الحراك كان فجائياً يخشون أن تركب الدول الخارجية وخصوصاً أميركا هذه الموجات وتحرفها عن مسارها المطلبي إلى مسار سياسي، هذا التخوف ساذج في قراءة الأحداث وتطورها التصاعدي، لأن الحراك وفي هذا التوقيت بالذات مخطط له بكل أدواته وتفاصيله وتقوده عبر غرف سوداء متخصصة لها أدواتها في المجتمع المدني الثائر الذي لا يعرف بعد من يقوده إلى الدمار أو إلى الحرب الأهلية، وكل الهدف من ذلك هو تجهيز بيئة لبنانية معادية للمقاومة ولحزب الله وحلفائه ومنهم رئاسة الجمهورية.
وقد ظهر هذا واضحاً من تصريحات فيلتمان الخبير بالشؤون اللبنانية، وبعده من تصريحات وزير خارجية أميركا بومبيو الذي طالب اللبنانيين بتحجيم حزب الله ونزع سلاحه وإبعاده عن العملية السياسية حتى تتمكن أي حكومة جديدة من الاتفاق مع أميركا و (إسرائيل) على ترسيم الحدود البرية والبحرية والاستيلاء على ثروته الغازية والنفطية (المفترضة)، وإلا فإن العقوبات الصارمة والفوضى العارمة وحتى المجاعة ستكون بانتظار اللبنانيين.
إن أميركا وأتباعها الأوربيين والعربان الذين ذاقوا الهزيمة في سورية، ما زالوا يتعاملون مع الدول الصغيرة وكأنهم يتعاملون مع دمى، ولذلك فهم يراهنون على حركة الشارع لشل البلد وتركيعه مالياً وتضييق الخناق عليه دون أن يحسبوا حساباً إلى أن المعادلات الدولية تغيرت بل انقلبت رأساً على عقب ولم تعد أميركا القطب الأوحد الذي يتحكم بالعالم.
ومن هنا نفهم الهستيريا التي أصابت ترامب بعد أن أعلنت الدولتان العظميان أنهما مستعدتان للحلول مكان الأميركيين في دولة تهدد الكيان الإسرائيلي خصوصاً بعد أن أعلنت فرنسا أنها لن تسمح بتدمير لبنان معتبرة أن الحلف الأطلسي (ميت دماغياً) وليس مستبعداً أن تحذو حذوه دول أخرى جراء سياسة ترامب الرعناء، الذي يريد أن يدير العالم كما يدير شركاته.
كما نفهم الإشارة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله بأن الخيارات متاحة نحو الصين أو روسيا دون الإشارة إلى إيران طبعاً بحكم العداء المستحكم لدى مكونات لبنانية تبعاً لمواقف خليجية معروفة.
إن أي حل مهما كان مقبولاً على مستوى الطاقم السياسي المتمسك بمفاصل السلطة والمال لن يكون نهائياً بل مؤقتاً لتمرير مرحلة ما، لذلك فإن القوى التي تريد أن تتعايش بسلام وتبني دولة منتجة عليها أن تنتهز فرصة الحراك في الشارع وتقلب الطاولة على الجميع.
وإن غداً لناظره قريب....