تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أيمــــن زيـــــدان قنـــــاص اللحظــــة في (درب الســــــما)

ثقافة
الأربعاء 4-12-2019
فؤاد مسعد

كادت عيناه أن تنطقا بأحرف من لهيب ونار, تُخبئان حزنا دفينا عمقه عمق الحياة, وفي اللحظة نفسها تلمعان ببريق أمل يحاول تلمس طريق النور,

تقدحان بشرار التحدي والإصرار على الاستمرار والمضي إلى الأمام.. هكذا بدت عينا الفنان المبدع أيمن زيدان الذي جسد في دور (الأستاذ زياد) حالة المتمسك بمبادئه الأصيلة والمُدافع عن الخير الموجود داخل كل منا في وجه كل ما يحمله العالم من قبح, لا يهاب الخوف وإنما يحمل بين ضلوع صدره كماً كبيراً من القوة النابعة عن إيمان بالهوية والانتماء والمفاهيم النبيلة التي تخط للمجتمع طريقه (هويتك في قلبك), تلك الشخصية التي حملت من الهموم والآلام فوق ما تحتمل ورغم ذلك رأت في (الغناء) حبل خلاص, لقد انتصرت للحياة وللحب غير آبهة لكل الموت المحيط بها.‏

مع كل خط رسمه الزمن على وجهه ومع كل انحناءة هناك صرخة تنتفض رافضة القهر والهروب, متمسكة برائحة المكان, رغم رائحة الموت التي باتت تفوح تارة بفعل الارهابيين الذين حملوا السلاح وكفرّوا الآخرين وتارة بفضل من تسلّقوا على الحرب وكانوا تجارها بامتياز, هما وجهان لعملة واحدة كما قدمهما فيلم (درب السما) الذي عرض مؤخراً في دمشق بعد نيله ثلاث جوائز في مهرجان الاسكندرية السينمائي هي: جائزة أفضل سيناريو عن مسابقة الأفلام الدولية، في مسابقة الأفلام الطويلة, جائزة «نور الشريف» لأفضل فيلم, جائزة أفضل ممثل للفنان أيمن زيدان, والفيلم من إخراج جود سعيد, تأليف مشترك بينه وبين أيمن زيدان وسماح القتال ورامي كوسا, وإنتاج المؤسسة العامة للسينما.‏

الشخصية المحورية كانت (الأستاذ زياد) التي قام الفنان أيمن زيدان بتفكيكها وإعادة تركيبها بروحه المُحملة بأثقال الألم, فجاءت من رحم الحياة, اقتنص فيها كل لحظة لتشكل بحد ذاتها حياة بكل ما تحمل من قهر ووجع وحسرة وذكريات وموت وبكل ما فيها من أمل وحب ونظرة لغد يتوق إليه بشغف, حُمّلت في كل جزء منها بهموم الكثيرين عبر فيلم يمكن اعتباره في الكثير من الأماكن توثيقا دراميا يقارب بمصداقية عالية مجريات الحرب على سورية, يتلمس تفاصيل مغرقة في وجعها وإنسانيتها, يتلمس دفئا يفيض بالمشاعر, يُظهر بحرقة كيف انقلبت المفاهيم فجأة ليمسي الأخ عدواً والجار طالباً للدم, دون أن يغفل إظهار حرارة النموذج الآخر الذي بقي متمسكاً بالنسيج الواحد للمجتمع.‏

الفنان أيمن زيدان الذي قدم شخصية تلاحقها الهزائم والمآسي ورغم ذلك تبقى متمسكة بالحياة, عكس عوالمها الداخلية معبراً عن كل خلجة من خلجاتها حتى من خلال النظرة وحركة الأعين, وإضافة لما قدمه حضور كقيمة مضافة, فقد امسك بين يديه أسلحة قوية تمكّنه من المجابهة للخروج بشخصية تحمل كل هذا التوق إلى الخير والنور, فكان بين يديه نص متماسك محبوك بشغف وذكاء عبر آلية بنائه والتعاطي مع الزمن والحدث, وكثيراً ما حمل الحوار عبارات ترقى لمستوى الرؤى الفكرية ممتلكاً في العديد من مفاصله ناصية (الفلسفة) في المقولة المنطوقة والتي تبنتها الشخصية لتنسجها بروحها وتعيد تصديرها بدفق عالٍ من الإحساس المرتكز على أساس متين, هذا الأساس الذي امتد للصورة فعكس مقولة (السينما سحر), هكذا تعامل معها المخرج وقدمها في فيلمه مشاهد مرسومة بريشة تفيض شاعرية حتى في أشد اللحظات قسوة, بكل ما حملت من دلالات تحفر في عمق الروح والوجدان, كما وازن المخرج بذكاء بين جرعتي الرومانسية والقسوة, بين التراجيديا والكوميديا السوداء, وبين الحب والأمل من طرف والمأساة التي عاشتها الشخصية من طرف آخر.‏

(درب السما) المشغول بحب, كما ظهر جلياً على الشاشة, يعكس مفهوم العمل الجماعي تحت قيادة مخرج يدرك إلى أين يأخذ سفينه, أما المبدع أيمن زيدان فكان لسان حال الكثيرين بقدرته على تقديم شخصية من لحم ودم ومشاعر, امتلكت القدرة الوصول إلى المتلقي بسلاسة وصدق.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية