|
قداســــــة البابـــــــا أهـــــلاً بـــــــــكم في الجلجــــــــلة!! دين ودنيا لكن الفارق بين الزيارتين - مع إيماننا الفارق الكبير بين الزائرين – ان زيارة قداسته بدأت من الجلجلة ولا ندري أين ستنتهي. والفارق بين الزائرين أيضاً أن السيد المسيح لم يقارب العمل السياسي أيضاً، وقد حسم هذا الخيار عندما أرادوا الإيقاع به مع القيصر عندما رمى المال الملوث للصيارفة على الأرض، وذكّروه أن المال الملقى يحمل صورة القيصر، فقال لهم : دعوا مال قيصر لقيصر ومال الله لله. ولم يشفع حياد السيد المسيح تجاه القيصر، واكتمل المشوار إلى الجلجلة. ولا أدري أين يكتمل مشوار قداسة البابا بعد الجلجلة لأن مسالك السياسة ربما تتخطى طهارة درب السيد المسيح. منذ عقود عديدة تحاول العقيدة اليهودية نسف أوليات العقيدة المسيحية المبنية على الصلب ومسؤولية آباء اليهود وابنائهم عن صلب السيد المسيح، وتتناغم بعض الأصوات في الصرح الكاثوليكي الأعلى ( الفاتيكان ) مع الرغبة السياسية للأبناء بشطب المعتقد المسيحي من الذاكرة بهدف تبرئة الأبناء من مسؤولية الآباء الموثقة في الكتاب المقدس. ومع ذلك نتذكر جميعاً أن رسالة السيد المسيح أساسها الصفح لمن أساء، ونتذكر أن السيد المسيح طلب من الله الصفح عن منفذي الجريمة أملاً أن يكون صلبه دافعاً لتوبتهم، وحدُّها الأدنى التسليم برسالة السيد المسيح التي أعلنها استكمالاً لدعوة موسى لا هدماً لها – ما جئت لأنقض، بل جئت لأكمل -. لم تتوقف عملية الصلب منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، وما زال السيد المسيح هو المسيح المزوّر، وأتباعه مطلوبون إلى المحرقة دوماً، وهذا ليس جزءاً من العقيدة الدينية التي يصعب تبديلها فقط، لكنها جزء من العقيدة السياسية التي تمارسها الدولة العبرية لأنها لا تملك أي خيار بين العقيدة والسياسة. لم يترك السيد المسيح مساحةً للاجتهاد في قضية فصل الدين عن السياسة في المقولة السابقة : دعوا مال قيصر.... فهل تعمل الفاتيكان بالفصل ما بين الله وقيصر ؟؟؟ لم يسجل التاريخ سابقةً في هذا السياق، فلم تكن الكنيسة الكاثوليكية بعيدة عن الصراعات التاريخية في أوروبا في القرون الوسطى، ولم تقف على الحياد في الغزوات الفرنجية التي أطلقوا عليها هم بالحروب الصليبية، ولم تكن تلك الغزوات خياراً غير موفق للدعوة لاعتناق المسيحية كما يود البعض أن يفهمها في هذا السياق، وأول أهدافها كانت الكنيسة الشرقية قبل العالم الإسلامي، فكانت حرباً لقيصر وليست لله. إنني ممن يعتقد بخطأ محاكمة الأحداث خارج أزمنتها، وبالتالي سأضع تلك الغزوات ودور الكنيسة في تلك الأزمنة الغابرة خارج قفص الاتهام، لكني لا أستطيع ذلك أمام ما يحدث اليوم على يد حاخامات القرن الحادي والعشرين وكأننا نعيش العام الثالث والثلاثين لميلاد السيد المسيح والجلجلة على بعد أمتارٍ قليلة من منزل كلٍ منا. إن عملية تدنيس المقدسات المسيحية ورموزها عملٌ يومي يشكل جزءاً أساسياً من المعتقد اليهودي يعرفه الإخوة المسيحيون في فلسطين المحتلة أكثر من سواهم، ويعرف المتابعون لهذا الأمر على الساحة الثقافية الدولية وبشكلٍ منهجي منظم، بالسينما وما تكرر من أفلامٍ تسيء للعقيدة المسيحية، ورسومٍ سبقت كثيراً ما رآه العالم من مساسٍ لمكانة الرسول الكريم محمد (ص ) دون أن نلحظ للفاتيكان موقفاً يوازي الفعل لا خوفاً على العقيدة المسيحية من عبث تاريخي حاقد بالموروث الديني لليهود ضد المعتقدات الأخرى، وإنما دفاعاً عن مشاعر المؤمنين مسيحيون ومسلمون في حين لا تتردد الفاتيكان في تحديد موقفها من قضايا أخرى أقل حساسيةً كما تابعنا منذ وقت تحولها لهيئة للدفاع عن السامية ضد كل من له رأي مختلف. لم يكن ما قدمته القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي مؤخراً برنامج عابر جاء في سياق حرية التعبير المطلقة والمباحة أمام اليهودي، والمقيدة بقوانين معاداة السامية عندما يكون الرأي الحر هذا موجهاً باتجاههم مهما كان شكل هذا الرأي في العقيدة الدينية أم السياسية. ما قدمته القناة العاشرة هو استمرار لم يتوقف يوماً في الحرب على العقيدة المسيحية منذ مجيء السيد المسيح، وهو تعبير صادق عن المؤسسة الدينية والسياسية اليهودية، ولا يمكن اعتباره رأياً فردياً حراً معزولاً عن مهام تلك المؤسسة، وهو موجه اليوم إلى رأس الكنيسة الكاثوليكية للتأكيد أن ما هو مطلوب منها أكثر مما تقدم، وأن بيان الشجب الذي صدر عن الفاتيكان ضد رأي حر لأحد رجال الدين المسيحي الذي أبدى شكاً في حقيقة المحرقة السياسية هو ردٌ غير كافٍ يستوجب عقاب قداسة البابا المجتهد لزيارة تل أبيب ومحرمٌ عليه زيارة موقع الجلجلة الأولى على مشارف القدس، أو الجلجلة الثانية في غزة. قداسة البابا يدرك أكثر من غيره أن للصهيونية – الاسم السياسي لمعظم اليهود – ثوابت تعاقب من يتخطاها أهمها : لا فصل بين العقيدة اليهودية والسياسة وكلاهما مبنيتان على العنصرية التي كرستها نصوص التوراة وتعاليم التلمود ورعتها بروتوكولات حكماء صهيون. السيد المسيح الذي يؤمن بمجيئه ورسالته ما يقارب ثلث سكان الكرة الأرضية هو المسيح الدجال، ومسيحهم رب الجنود القتلة الذين يقتلون الأطفال والنساء والأجنة وحتى البهائم. إسرائيل دولة يهودية منذ قيامها وتأخر إعلان ذلك لضرورات السياسة الدولية مؤقتاً. إذا كانت هذه ثوابت الذين صلبوا السيد المسيح فمن حقنا أن نسأل : ما هي ثوابت الكنيسة في العقيدة والسياسة؟ وهل صرنا مسيحيين في مباركة لاعنينا – كما قال السيد المسيح – ومدافعين بلا هوادة عن السامية، لاعنين أعداءها كما هو واضح في البيان الفاتيكاني في المساوات بين نكران المحرقة ونكران الله. قداسة البابا : دع مال قيصر لقيصر، ومال الله لله !!
|