بشأن حيازة هذا النوع من السلاح من قبل صدام حسين التي أثبت الواقع عدم وجود نصيب لها من الصحة ومع ذلك يعاد ذات الأسلوب في تلفيق الأمور مجدداً دون تبصر وأحياناً من قبل ذات الأشخاص.
تُصور إيران في الغرب على أنها القوة الغاشمة التي يحكمها مجموعة من الملالي غير العقلانيين الذين يتوجهون لامتلاك السلاح النووي ويسعون إلى تدمير إسرائيل.
لو صحت تلك المقولة لوجدنا بها تبريراً لما يجري من تهديدات عسكرية تطلقها كل من إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا ضد القيادة الإيرانية، لكن الصورة في واقعها أكثر تعقيداً وأقل تهديداً وليست الأمور كما يصورها البعض.
الادعاء بأن إيران قوة غاشمة يدل على جهل مطبق بحقائق الأمور. وعلى سبيل المثال، دعونا نأخذ بالاعتقاد السائد على نحو واسع والذي يكرره السياسيون البريطانيون والإعلام الغربي من حيث وجود برنامج تسليح نووي لدى إيران الأمر الذي نفته الاستخبارات الأميركية حيث أكدت بتقرير رسمي صدر عنها بالاتفاق مع 16 وكالة استخبارات أميركية أخرى بشأن الأنشطة النووية في شهر تشرين ثاني عام 2003 ذكرت به أنها «على ثقة تامة بأنه في خريف عام 2003 أوقفت طهران برنامج التسليح النووي لديها» وأكدت بأنها «لم تستأنفه منذ منتصف عام 2007» ولم يطرأ أي تغيير على نظرة الاستخبارات الأميركية منذ ذلك الحين. ويبدو أن الاستخبارات الإسرائيلية تشاطرها الرأي.
ومن المؤكد أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تجري نقاشات مع إيران بشأن الأنشطة النووية حيث تبين لها بأنها مازالت ملتزمة بمعاهدة حظر الانتشار النووي، وهنا يلاحظ التباين في التعامل بين إيران وجهات أخرى مثل الهند وإسرائيل الحليفتين للغرب حيث يلاحظ بأن المنشآت النووية لهاتين الدولتين مغلقة في وجه مفتشي الوكالة الدولية للطاقة يضاف إلى ذلك كون إسرائيل تدأب على تحدي مطالب مجلس الأمن الدولي في جعل منشآتها مفتوحة للتفتيش من قبل الهيئات الدولية.
وعلى النقيض من ذلك فإن إيران، التي لا تمتلك السلاح النووي وفقا للتقارير التي وضعها مفتشو الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تُفرض عليها العقوبات الاقتصادية الصارمة وتلقى التهديدات باتخاذ الإجراء العسكري بحقها، في الوقت الذي عرف به عن امتلاك إسرائيل لـ 4000 قنبلة نووية يمكنها أن تستخدمها في منطقة الشرق الأوسط ومع ذلك تتلقى أكثر من 3 مليارات دولار سنوياً من المساعدات العسكرية الأميركية.
تلك هي الحقائق الأساسية للانشطة النووية الإيرانية بشكل عام. لكن مع ذلك نجد وسائل الإعلام البريطانية والطبقة السياسية لم تشر إلى ذلك، بل يتحول مسار الحوار السياسي حول القضية الإيرانية إلى ترويج مفتعل للأكاذيب والافتراءات.
إن ما ذكر آنفاً ليس في واقعه إلا غيض من فيض حيث تبين بأنه في السنة الماضية أصدرت هيئة الإذاعة البريطانية في أخبار الساعة العاشرة تقريرا يقول بأن «إيران أعلنت عن تطورات جديدة في برنامج التسليح النووي» حيث ورد في هذا التقرير تأكيدات أن إيران تملك برنامج التسليح النووي. بينما أشارت مجلة الإيكونوميست إلى «القنابل النووية الإيرانية».
وقد عمد السياسيون البريطانيون على تغذية تلك الافتراءات. حيث قال وزير الدفاع فيليب هاموند في السنة الماضية بأن إيران تعمل على بناء ترسانة نووية. بينما ذكر وزير الخارجية وليام هيغ لصحيفة ديلي تلغراف في السنة الماضية أيضا بأن إيران تتابع برنامج التسليح النووي. وإن تصريحات مثل هذه لوزراء في الحكومة تضيف وزنا للافتراءات التي تقول بأن الطموحات النووية الإيرانية يجب أن تكبح عبر فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية وفي حال فشلها فإنه من الضروري اللجوء إلى الإجراء العسكري. أما وسائل الإعلام فقد دأبت على اتخاذ ذات الموقف الذي نهجته إبان غزو العراق في عام 2003 عندما قرعت طبول الحرب بدلا من أن تسعى قدر المستطاع إلى تجنب الفعل العسكري.
وهذا الأمر يأخذ بنا إلى أكذوبة أخرى ألا وهي الادعاء بأن إيران ترفض الانخراط بشكل منطقي مع الغرب في الحين الذي أعرب به الإيرانيون عن استعدادهم للتفاوض أكثر من مرة لإثبات حسن نيتهم وصدق ما يقولون به.
لقد فعلوا ذلك بعد أحداث 11/9، حيث وقف الشعب في إيران محتجا على ما جرى من فظائع واستنكرها كبار رجال الدين. وقدمت إيران تقارير استخباراتية ساعدت في الحرب على طالبان، بل ذهبت أبعد من ذلك عندما ساعدت في إنقاذ طيارين أميركيين سقطت طائرتهما فوق الأراضي الإيرانية. ووفقا لجيمس دوبينز الدبلوماسي الذي قاد الوفد الإميركي في المفاوضات التي أدت إلى اتفاق عام 2001 بشأن أفغانستان، قال بأنه «في عام 2002 ومرة أخرى في عام 2003 رفضت واشنطن العروض التي تقدمت بها طهران من أجل التعاون بالشأن الأفغاني والعراقي والتفاوض نظرا للاختلافات الإيرانية الأميركية القائمة بشأن البرنامج النووي». وفي عام 2005 طرحت إيران صفقة أخرى في اجتماع مع فريق التفاوض الأوروبي في كاي دورسيه وعرضت فتح جميع منشآتها النووية للتفتيش الدولي الدقيق إلى جانب تقديم سلسلة من التنازلات الأخرى، لذلك عمد الغرب إلى الاعتراف بحقها في تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية، الأمر الذي ينسجم مع حقها كدولة موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي لكن هذه الصفقة قد نسفها توني بلير كممثل عن جورج دبليو بوش.
إن صفقة مشابهة يمكن عقدها في الوقت الحاضر لكن ذلك يتطلب من الغرب وأميركا إعادة النظر بتعاملهم مع إيران باعتبارها دولة مارقة والتعاطي معها على أنها دولة مستقلة ذات سيادة ولها مصالح إقليمية مشروعة.
علينا جميعا أن نعلم بأنه في حال فشلنا في اتخاذ الإجراء المناسب فإننا سنصل إلى نتائج لا تحمد عقباها. ولن يمر على العالم سوى أشهر قليلة حتى يجد نفسه في أتون حرب ضروس يسفك بها الكثير من الدماء فضلاً عن الاحتمال الكبير لحدوث انهيار اقتصادي عالمي مرعب لذلك على الجميع أن لا يدخروا جهداً لتجنب ما نخشاه من نتائج.
بقلم: بيتر أوبورن وديفيد موريسون