أي إنسان مطالب بأن يفصل عقله ووجدانه على قدّ الإرهاب القائم الدولي المنظم منه أو المنفلت والمتدفق للتو على دماء السوريين وتاريخ بلدهم، أو أن نبقى في منطقة العقل والواقع فنرى المشهد الدامي بحقائقه من العمق وبانتشاره في الأفق وعندها سوف نكتسب درجتين هما ضرورتان لأي إنسان سليم ولأي رؤية سليمة ولأي موقف سليم فالحقائق واضحة وهي لاتحتاج إلى رسائل أو إضافات تمهد لها.
كيف يمكن أن لاننتمي لهذا الخط العقلي الطبيعي ونحن نرى صيغاً من الاستهداف والعدوان والإرهاب لاتحتاج إلى بحث أو عناء في الكشف عنها سياسياً وعسكرياً، كيف يمكن أن نتقبل فكرة أساسها أن المستعمر التاريخي أو القزم الموظف الوافد على جناح المال والجهل إلى السياسة أن يقوموا بهذا الفعل البشع على سورية ، من ذا الذي يصدق بأن الإسلام معدن الحضارة والسلام والتسامح يتحول إلى طاقة مادية عمياء منطلقها القتل وأساسها القتل وهدفها القتل ألسنا عند هذه الفاصلة حول الإسلام المختطف بحاجة إلى معايير جديدة لاتعترف على العقل ولاتنضبط بضوابط الواقع القائم لكي نفسر همجية الإنتماء من الخارج ومن الداخل السوري لهذه النزعة في القتل والتدمير ، لم يعد للعقل متسع ولا للقيم موعد في استيعاب حقيقة مايجري في سورية ولم يتبق أمامنا إلا أن نقوم ونحاكم الإرهاب القائم بمعايير الغريزة والتغذية الخارجية واستثارة الأحقاد ونشر كل ماهو مضاد للسوريين وكل ماهو خارج عن وعيهم وذاكرتهم التاريخية ومواقفهم المشهودة على مرّ الزمن بالانتماء للعقل وبإطلاق أشعة الوجدان وبالتجذر بالسلام كوسيلة وطريق لحل أي معضلة بالداخل السوري ولتفكيك أي أزمة طارئة أو قائمة في حياتنا الوطنية.
لعله بموجب هذه التساؤلات المرّة نكتشف نقطتين بمنتهى المرارة الأولى منهما هي أن يتحول الوطن السوري وهو مصدر العالم وموئله إلى هذا الحال وإلى هذا المستوى من التدمير والذبح وغريزة الحقد، فلم يحدث ذلك في تاريخ سورية ولافي سلوك موجات المستعمرين على سورية إلا ماندر ، حيث مازلنا نقرأ في التاريخ أن تيمورلنك التتري الهمجي قد استباح دمشق بعد أن خربها كما فعل في بغداد بعد أن خربها ثم استهوته الجريمة فأصدر أوامره المسمومة لبناء برج ولربما أبراج من رؤوس أبناء سورية في دمشق ، ليؤكد غرائزيته وليعمق همجيته وحدث ذلك فعلاً فقد قطعت آلاف الرؤوس بلا استثناء أو تمييز وصنع البرج المخيف الذي مازلنا نحتفظ باسمه المقيت في منطقة القصاع ( برج الروس) ، نعم حدث ذلك لكن هل يوجد إنسان واحد في سورية أو في غير سورية لايحتقر مثل هذه الفعلة الشنيعة، كان الدليل إلى ذلك هو العقل ومقتضيات الحضارة ونبوءات القيم واستطرادات استقرت في الحكايا والأساطير كان أساسها أن القتل على هذا النحوهو الدرك الأسفل من تاريخ الاستبدادوالعدوان في حضارات العالم كلها قديمها وحديثها.
ولكن الإرهاب وجد صيغاً أخرى لممارسة هذه الغواية فالصليبيون استباحوا القدس ذات مرة وقتلوا بلامبرر أو رادع أكثر من مئتي ألف مقدسي ولم يميزوا بين مسيحي ومسلم بل إن الأكثر كانت من العرب المسيحيين في القدس والرسالة واضحة إذ لابد من تدمير قواعدالسلام ومنطق الحضارة في هذا الوطن الذي تتعانق فيه رسالات السماء وتنطلق لتملأ الكون نوراً وعدلاً لذلك لايفهم أبعاد هذا المعنى تتري همجي أو صليبي حاقدعلى المسيحي والمسيحية وعلى الإسلام والمسلمين في هذا الوطن التاريخي، وطوّر الإرهاب والإرهاب من قواعده وإدعاءاته فقتل الفرنسيون في الجزائر قرابة مليوني إنسان بلاتردد وقتل الفرنسيون المستعمرون ذاتهم آلاف السوريين في العام 1945 عبر مجزرة تدمير دمشق والمدن السورية الأخرى ولدينا صيغة موازية للإرهاب عبرممارسة الصهاينة في شوقهم وخبرتهم لإنتاج المجازر وإنجاز المذابح كما فعلوا في قبية ودير ياسين والسموع وبحر البقر وصبرا وشاتيلاوداعل وقانا، كان اليهود بذلك يمارسون ذاتهم وهي المنبثقة من نصوص التوراة والتلمود وبروتوكلات حكماء صهيون ولكن العلامة الفارقة هي أنه إذاكانت هذه القوى الاستعمارية الإرهابية تمارس ذاتها عبر القتل وتؤدي مهمتها بتدمير الحياة في الأوطان الآمنة فذاك من طبعهم وطبيعتهم وتلك خصائصهم الأيديولوجية والسيكولوجية، أما أن يحمل لنا هذا الزمن الأغبر قطعاناً من الإرهابيين وقد تظاهروا بالإسلام والفتاوى بأيديهم وفي قلوبهم وهم قادمون على صهوة الجريمة وأجنحة الدم الزكي ليقيموا (مملكة الله) باعتبارهم و كلاء الله على الأرض فذلك تيه واغتراب لايوجد له معادل أو مثيل إلا في الأيديولوجيا الصهيونية التي تحث اليهود على قتل الأغيار الآخرين باعتبار هذا القتل وسيلة حماية لليهود أنفسهم لأن القاعدة لديهم تقول الآخرون أو الأغيار ذئاب وقتلة فإن لم تقتلهم قتلوك وهذا هو قدرهم عبر فكرة عمود السماء الذي امتطته الأيديولوجيا الصهيونية في الانتقال من السماء إلى الأرض، ويبقى الإرهاب الاستعماري مفهوماً فهو قيمة وممارسات المعتدين من الخارج كما فعل الاستعمار الفرنسي والبريطاني في الوطن العربي ولقد يحدث أن يظهر على حين غرة عميل ساقط يبيع نفسه للمستعمر ويرتضي أن يحصل على المكاسب الحقيرة على حساب دماء الأبرياء ونقاء الوطن وقيم التاريخ المستقرة، لكن هؤلاء ظلوا أفراداً ومجموعات محاصرة مغلفة ومستترة، أما أن يأتي إلينا هذا المدّالإرهابي العالمي وأن يلتحق بمواكبه المشؤومة الحاقدة من الخارج والمضلل من الإقليم والرخيص في الداخل السوري، وأن ينتشر هؤلاء كمنظمات وتنظيمات دينية وسياسية، ويتخدون لعناوينهم أسماء القرآن والإسلام والصحابة والأولياء والمناضلين الأنقياء فتلك موجة غير مسبوقة ولامثيل لها ولهذا السبب فإن التصدي لهذه الموجة لابد أن يكون استثنائياً ونهائياً هذه المرة.