حالة من القلق والتوتر يعيشها الكثير من المواطنين الذين تتضرر مصالحهم الخاصة نتيجة لتنفيذ تلك المخططات والمشروعات لأسباب كثيرة أهمها التعويض اليسير والذي لا يكاد يذكر مقارنة بأسعار السوق الرائجة سواء أكانت تلك الممتلكات عقارات نظامية أم مخالفة أو كانت أراضي زراعية لا دخل لاصحابها بها سوى ما يجنونه من محاصيلها, والأمر برمته ينطبق على مشروع سكة القطار الجديدة والتي سوف تقطع في طريقها اكثر من 28 الف شجرة مثمرة في الاراضي التابعة لمزارعي حرستا في محافظة ريف دمشق اضافة الى عدد كبير من المنازل السكنية التي يشغلها الفلاحون وذوو الدخل المحدود, ولأن المواطنين قد اعترضوا على مسار السكة المزمع تنفيذها وكذلك بعض الجهات العامة كمجلس مدينة حرستا ومديرية زراعة ريف دمشق فقد تغيرت المعطيات ووفق ما سمعناه من السيد مدير عام السكك الحديدية بحلب فإن آليات جديدة للتنفيذ سوف تتغير هي الأخرى.
وبين حائر ومشتغل بما سيكون كان لا بد لنا من وضع النقاط على الحروف كي تتضح الصورة لكليهما.. والقصة نحكيها من بدايتها:
اعتراضات الأهالي
يقول المواطنون:
من المفترض أن نسلم جميعا بأهمية المشاريع الحيوية وبأحقية تنفيذها طالما أنها تصب في محور المصلحة العامة, لكن وبوجود البديل الذي يضمن القليل من الضرر فإن على المصلحة العامة أن تراعي المصلحة الخاصة للكثير من المتضررين.
وقد شبه بعضهم المشروع بالمعركة بين الشجر والسكك الحديدية التي كادت أن تحقق انتصارها لولا الاعتراضات الكثيرة عليها من الجهات العامة والخاصة في آن معا.
وذهب بعضهم بالقول الى أن عدم إعلان مسار سكة القطار السريع بشكل واضح هو محاولة لتمريرها دون دراية المواطنين المتضررين وبرهنوا على ذلك بالقول: إن هذا المخطط لم يلحظ في إعلانه سوى خطوط سوداء دون أي تسميات لهذه الخطوط على انها سكة قطار, ويؤكدون أنه كاد أن يفلت الأمر من أيدينا زمن الاعلان دون الاعتراض ولا بد من التنويه أن هذه الخطوط الحديدية المراد انشاؤها وضعت فوق الشركات المنشأة والقائمة على الشريط الغربي لاوتستراد دمشق- حمص وفوق بناء معارض السيارات وأضافوا ربما يراد رفع هذه الخطوط باتجاه الغرب بضعة امتار لهم لتتم حماية الشركات والمعارض ويصبح الخطر يداهم الفلاحين والاشجار المثمرة وكذلك الثروة الحيوانية والحراجية فقط,
وعن أسباب الاعتراض قال القاطنون: إن كلا من مدينتي حرستا والقابون تقدمان وبشكل يومي العديد من الضحايا البشرية جراء وجود الاوتستراد فهل ينقص أطفالنا خطر جديد اثناء عبورهم السكة الحديدية للقطار السريع مرتين كحد أدنى يوميا اثناء ذهابهم وإيابهم الى مدارسهم.
وفي النهاية طلب القاطنون نقل محطة الصيانة المراد تنفيذها شمالا وذلك حسب قرار اللجنة المشكلة من رئاسة مجلس الوزراء, فالقرار وكما يؤكدون قد أخفي عمدا ولم يؤخذ بعين الاعتبار, وجاءت المحطة باسم جديد (نقطة فنية) وهي عبارة عن دائرة قطرها 400 متر متجاوزة آلاف الاشجار والمساكن الشعبية للفلاحين وحظائر المواشي.. كما طالب القاطنون بنقل محطة الركاب من أمام شركة نصر باتجاه الشمال قرابة خمسة كيلو مترات.
عندها بالضرورة تنتقل السكة الحديدية أيضا ليصبح موقعها الجديد بالاتجاه الغربي لمشفى حرستا العسكري حيث إن هذا الموقع أرض جرداء بعيدة عن التجمعات السكنية وليس فيها اشجار ولا ثروة حيوانية, عندها فقط نكون قد وصلنا الى حقنا وتمكنا من الحفاظ على سلامة بيئتنا وسلامة اطفالنا أيضا.
تهميش دور مجلس مدينة حرستا
قال المهندس عبد الله كماشة رئيس مجلس مدينة حرستا:
على الرغم من أننا المعنيون بشكل مباشر في هذا الموضوع إلا أننا لم ندع في أي وقت سابق لاجتماع بهذا الخصوص وحاليا ليس لدينا تصور أو وثيقة حول موضوع تنفيذ السكة الحديدية المزمع إنشاؤها.
ولدى سؤاله عن السبب في عدم دعوة المجلس لمناقشة مسار السكة أجاب:يمكن أن يطرح هذا السؤال على المؤسسة العامة للسكك الحديدية ووزارة النقل ولماذا تم تهميش دور مجالس المدن ولم يؤخذ برأيها حتى تاريخه.
ولدى سؤاله فيما اذا فرض على مجلس المدينة أحد المقترحات الخاصة بمسار السكة فما هي الاجراءات التي يمكن اتخاذها?.
قال: لا يمكننا سوى الاعتراض وبذلك نبرىء ذمتنا أمام المواطنين المتضررين من مسار السكة الحديدية.
سألناه: وفق الوثائق المتوفرة ما هو عدد المتضررين جراء تنفيذ الخط الحديدي السريع أجاب:
لم يتم احصاء عدد المتضررين بشكل دقيق, فقبل عشر سنوات تقريبا حيث تم طرح المشروع كان العدد يقدر بخمسة آلاف مواطن متضرر ويمكن الآن مضاعفة العدد حتما, وكلهم من الفقراء الذين لا يملكون سوى ارضهم التي يعيشون فيها ومسكنهم المتواضع الذي يقيمون فيه مع أولادهم.. وبرأيي أن حالة التكتم على المشروع مقصودة لفرضه على الجميع في نهاية الأمر.
وأشار المهندس كماشة:
إلى أنه ارسل الى محافظة ريف دمشق طلبا من اهالي مدينة حرستا ومن رئيس الجمعية الفلاحية في المدينة والفلاحين وكذلك أمناء الفرق الحزبية الثلاثة يتضمن الاعتراض رقم 2 على مسار السكة الحديدية, وعلى إنشاء محطة صيانة القطارات في مدينة حرستا وضمن الاراضي المشجرة والمثمرة حيث بلغ عدد الاشجار المراد قطعها ثمانية وعشرين الفا وتسعمائة وثلاث وثمانين شجرة حسب الوثيقة رقم 1 التي تم فيها اقتراح نقل المحطة والخط الحديدي الى مدينة عدرا منذ عام /1987/ وأشار كماشة الى أنه ومنذ ذلك العام سبق للسيد محافظ ريف دمشق أن أرسل الى وزارة النقل عدة كتب لما يترتب من إلحاق الضرر بالمزارعين والقضاء على الثروة الزراعية والحيوانية وتعرض /183/ بئر ماء للتلوث ضمن قطر محطة الصيانة المراد إنشاؤها والتي تقطع أرض مساحتها /400/ دونم ضمن الأراضي المشجرة والمروية والتي تغص بسكن الفلاحين وحظائر الثروة الحيوانية.
وقد درس المكتب التنفيذي لمجلس محافظة ريف دمشق بتاريخ 11-2-1978 تقرير اللجنة المشكلة بموجب قرار مجلس محافظة ريف دمشق رقم /5/ تاريخ /1/ 1987 لإجراء دراسة فنية حول مشروع الخط الحديدي الواصل بين عدرا ودمشق وأوضح المعروض أن هناك دراستين الأولى تشير الى مسار الخط الحديدي خلف ضاحية الأسد الجبل بجوار مشفى تشرين الى برزة وميزات هذه الدراسة هي أن الخط الحديدي يمر في أراض جرداء وصحراوية ويمكن الاستفادة منها بإنشاء المحطات اللازمة ومن خلالها يمكن تخديم ضاحية الأسد بوجود المحطات, والدراسة الثانية يمر الخط الحديدي وفقها ضمن الأراضي الزراعية المشجرة والمروية وملحوظ عليها محطة صيانة مقابل نقطة المرور مسافتها/400/ دونم, كما تحدثنا سابقاً إضافة لتلوث آبار المياه وكان مقترح اللجنة المشكلة بالقرار رقم /5/ عن محافظة ريف دمشق أن يعتمد المسار الأول لسهولة إنشاء المحطات اللازمة على مسارها إضافة الى أنها أملاك دولة وجرداء.
وأرسل محافظ ريف دمشق كتاباً بتاريخ 15/7/1987 الى وزارة الدولة لشؤون البيئة ومكافحة التلوث, التي ناقشت الاقتراحات المقدمة من أجل إقامة محطة الصيانة في المكان المقترح من قبل وزارة النقل وتوصلت الى اقتراح بوجوب نقل المحطة حفاظاً على الأشجار وخوفاً من تلوث مياه الشرب في المدينة. كما أشار السيد رئيس اتحاد الفلاحين الى أن /2898833/ شجرة مهددة بالقطع وقيمة استملاك الأراضي حسب المرسوم /2405/ هي /800/993/287/ ليرة سورية ,وأن محطة الصيانة تقطع مساحة كبيرة تغص بالأشجار وعودة الى رأي السيد رئيس مجلس مدينة حرستا الذي قال في كلمة أخيرة له: إن مجلس مدينة حرستا مع أي مشروع حيوي يقوم بتخديم المواطنين لكن على أن يكون المشروع قد درس جيداً ومن كافة نواحيه وعلى أن تكون الأضرار على المواطنين وعلى البيئة قليلة جداً إضافة الى أن التعويض للمتضررين يجب أن يكون مقبولاً.
مديرية زراعة ريف دمشق تعترض
ومن جهة أخرى كان لمديرية زراعة ريف دمشق رأيها من خلال الاعتراض الذي تقدمت به على المشروع الذي يأخذ في طريقه الكثير من الأشجار الحراجية, ولدى سؤال السيد / علي سعادات/ مسؤول المديرية عن رأيه بمسار الخط الحديدي السريع وأسباب اعتراض المديرية أجاب قائلاً:
شكلت لجنة لإعادة تأهيل المدخل الجنوبي لمدينة دمشق من كافة البنى التحتية, فكانت اللجنة مشكلة من وزارة الإدارة المحلية ومحافظة ريف دمشق ومحافظة مدينة دمشق وحضر كافة المعنيين من مديريات الزراعة ومديريات الخدمات الفنية والجهات الأخرى المعنية, وبعد الاطلاع على المخطط التوجيهي للموضوع لإعادة دراسة هذا المدخل تم ملاحظة أن عبور السكة الحديدية ضمن مساحات كبيرة من الأشجار سواءً أكانت حراجية أم مثمرة سوف ينتج عنه أضرار كثيرة, ومن وجهة نظرنا كمديرية زراعة تقدمنا باعتراض وضمن المدة القانونية شرحنا فيه ما المساحات وعدد الأشجار وأعمارها وما المنشآت التي يمكن أن تتأثر نتيجة مرور الخط الحديدي المقترح إنشاؤه في تلك المنطقة.
وكان لنا تحفظ على كافة المساحات الخضراء وكوننا (مديرية زراعية) كما اعترضنا على قطع أي شجرة رغم أن هذا المشروع خدمي ويهم المصلحة العامة, لكن هناك استراتيجيات وطروحات بأنه يمكن إقامته تحت الأرض وفي المناطق الأقل كثافة شجرية وكانت وجهة النظر لمجمل المجتمعين والسيد وزير الإدارة المحلية بأن الاعتراضات التي قدمت بهذا المجال.
وأنهى السيد علي سعادات حديثه بالقول: من الآن لا نعلم إذا صدق المخطط أو أخذنا بالاعتراضات أم لم يؤخذ. وحسب علمنا أنه لم ينفذ حتى الآن شيء من هذا المشروع.
السكك الحديدية تدرس حلولا جديدة
بعد أن اطلعنا على حيثيات الموضوع كاملة كان لابد لنا من الاستماع لرأي الجهة صاحبة العلاقة في هذا المشروع الحيوي حيث أوضح المهندس عبد المنعم البم مدير عام السكك الحديدية رأيه بالقول:
إن هذا المشروع قد تمت دراسته قديما ولم يلحظ الاعتراضات التي يتقدم بها الأهالي فقد كانت هناك اشغالات كثيرة غير رسمية وبعض التعديات وتسعى المؤسسة إلى ايجاد خط حديدي للضرورة الاستراتيجية وتخفيض زمن الرحلة الواحدة من دمشق إلى حلب ساعة كاملة وبعد الاعتراضات التي تقدم بها الاهالي وبعض الجهات الرسمية كمديرية زراعة ريف دمشق والتي تمت مناقشتها باهتمام بالغ فقد تغيرت المعطيات ويمكننا القول: إنه بناء على توجيهات السيد وزير النقل قبل الشهرين تقريبا فقد تم تكليف المؤسسة بإعادة النظر بمسار الخط الحديدي في هذه المنطقة ووضع حلول اخرى تضمن حدوث اقل ضرر ممكن لتحقيق الهدف من هذا الخط الاستراتيجي.
وأضاف السيد عبد المنعم قائلا: إن المؤسسة قامت بالتعاقد مع جهة مختصة وهي المعهد العربي للدراسات المتكاملة لتقديم حلول اخرى يمكن من خلالها تنفيذ هذا الخط فقدمت لنا ثلاثة حلول تهدف جميعها الابتعاد ما أمكن عن التجمعات السكنية الآهلة والابتعاد ايضا عن المساحات الزراعية والحراجية وهذه الدراسات هي قيد التدقيق الأولي وستقدم خلال ثلاثة أسابيع دراسة الجدوى الاقتصادية والكلفة المادية لكل حل.
قلنا له من الواضح انكم أخذتم في اعتباركم اعتراضات الأهالي وبسرعة فأجاب: إن موضوع عدم إلحاق الأذى او الضرر بأي مواطن سواء في مسكنه أم في أملاكه هو غاية إدارة المؤسسة والآن هي تبحث عن الحلول من خلال الدراسات حاليا وأكد أن اختيار الحل المناسب سوف يكون الأقل ضررا ويحقق الغاية المنشودة من هذا الخط في الوقت ذاته.
وعن الغاية من الخط وهدفه قال: إضافة لتقصير عامل الزمن المسافة سوف تقصر ايضا 40 كم من المفترض ان نعتمد الحل قريبا وان تبدأ اجراءات الدراسات التنفيذية ومن بعدها سوف تتم المباشرة بالمشروع وغايتنا حاليا ايجاد حل قابل للتنفيذ بأسرع وقت ممكن ودون أي معوقات.
واخيرا سألناه عن الكلفة الاجمالية للمشروع فأجاب : لايمكن اعطاء رقم محدد للتكلفة لكن وكما هو معمول به فإن كيلو المتر الواحد يكلف /50/ مليون ليرة سورية والنفق عادة يكلف ثلاثة أضعاف وعليه فنحن نتوقع أن تبلغ كلفة المشروع بحدود المليار والنصف المليار ليرة سورية.
كلمة اخيرة
إن مشكلة مشروع الخط الحديدي السريع لاتكمن في تنفيذه وإنما في بقائه لأكثر من خمسة عشر عاما طي الأدراج وهو ما أن يفتح ملفه من جديد حتى تتعالى أصوات المعترضين على تنفيذه لإلحاقه الأذى بعدد أكبر من القاطنين والمواطنين الوافدين الذين يتزايد عددهم يوما بعد يوم وهو مالم تلحظه المخططات في بدايتها كما إنها لم تلحظ مخاطر على الاشجار والآبار ويبقى المواطن وحده يتكبد عناء تأخر تنفيذ هذه المخططات إضافة لإصابته بالتوتر والقلق الدائمين لمجرد سماعه أن مشروعا ما سينفذ في منطقته فقد يكون هذا المشروع كالسيل الجارف الذي يقتلع في طريقه كل من بيته الذي يقطنه او ارضه التي يقتات من خيراتها وفي ظل هذه المفارقة بين مصلحة المواطن واهمية المشاريع الحيوية يبقى هناك حلقة مفقودة نعلمها جميعا وهي ان التعويض من هكذا مشاريع مجحفة بحق المتضررين وفي أحيان كثيرة بحق البيئة والطبيعة الخلابة لغوطتي دمشق اللتين بدأنا نفقدهما شيئا فشيئا بحجة المشاريع حينا ونتيجة للزحف العمراني حينا اخر.