تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


اللغة السينمائية وقضايا أخرى في كتاب مدخل إلى سيميائية الفيلم

ثقافة
الأحد 2/10/2005م
ميساء نعامة

استوقفني القول التالي من كتاب قضايا علم الجمال السينمائي.. مدخل الى سيميائية الفيلم :( ان الثقافة الانسانية تخاطبنا, اي انها تنقل لنا معلومات ما مستعينة بلغات مختلفة).

ويستفيض الكتاب بالقاء الضوء على الثقافة التي تصلنا عبر السينما طارحاً السؤال التالي: هل تمتلك السينما- صامتة كانت ام ناطقة- لغة خاصة بها ?‏

ثم يعود المترجم الاستاذ نبيل الدبس ويضعنا في اجواء الاجابة :كلنا نتفق ان السينمائي وممثلي السينما وكتاب السيناريو وكل مبدعي الفيلم يريدون في النهاية ان يقولوا شيئا ما عبر فيلمهم الذي يمكن عده بمثابة خطاب او رسالة يوجهونها للجمهور.وهنا نصل الى قضية على قدر كبير من الاهمية: ان فهمنا للرسالة يتطلب معرفتنا بلغتها.‏

وعلى هذا الأساس يستنتج الباحث ان فهم السينما لا يعني بأي حال من الأحوال على ان استنساخا تابعا وآليا للحياة, بل يجب فهم السينما على انها اعادة تكوين حيوية وفعالة تنتظم فيها عناصر التشابه والتباين في عملية معرفية للحياة, مكثفة ولا تخلو احيانا من الدرامية.‏

وهنا قد يتبادر الى ذهن القارئ السؤال التالي: كيف يمكن فهم السينما على انها اعادة تكوين مع انها تعكس, في معظم الاحيان, الواقع الحياتي?‏

وهنا لا يتوانى الباحث وبجد متميز من المترجم في الاجابة على هذا من خلال البحث الأول في الكتاب الوهم بالواقع حيث يقول: المتفرج يصبح شاهداً وحتى مشاركاً في الحدث المعروض على الشاشة مباشرة, مهما كان هذا الحديث خيالياً, وهكذا فهو ينظر الى ما يراه بشكل انفعالي, وكأنه حدث واقعي, بالرغم من انه يدرك في قرارة نفسه لا واقعية هذا الحدث هذا ما يفسر الصعوبة الخاصة التي تواجهها السينما في التعيبر, بواسطة الوسائل السينمائية.‏

ويصل الباحث في نهاية هذا البحث الى النتيجة التالية: ا ن الاحساس بالواقع, الشعور بالتشابه مع الحياة.. وبدونهما لاوجود لفن سينمائي .. الاحساس بالواقع هو ركن جوهري من الكل الفني المركب يكتسب عبر علاقات متعددة ومتنوعة مع التجربة الفنية والثقافية للمجموعة البشرية.‏

وفي البحث الثاني يتابع الباحث من حيث النتيجةالتي توصل لها في البحث السابق وقد جاء البحث الثاني تحت عنوان ( حول مسألة اللقطة« حيث يقول الباحث : ان السينما, في جميع الحالات لا تقوم بالعادة عرض الواقع في تكامله بل تتناول فقط جزءا منه, تقتطعه بحجم الشاشة.‏

ولا يغيب عن الباحث تعريف حدود اللقطة حيث يعتبر حدودها مع الموضع الذي يلصق فيه المخرج حدثاً مصوراً مع حدث آخر..‏

اما تعريف اللقطة فقد افرد الباحث لهذا الموضوع البحث كله محاولاً تقريب المعنى الحقيقي للقطة السينمائية وعناصرها التي تحددها كالزمان والمكان, لكن هناك اجماع بأن اللقطة هي احد المفاهيم الجوهرية في اللغة السينمائية.‏

كما نتابع في هذا الكتاب قيم التعرف على عناصر ومستويات اللغة السينمائية: علاماتها, معاييرها, دلالتها التمييزية.‏

وايضاً يطالعنا الباحث على اسلوب السرد السينمائي الذي يعتمد بشكل اساسي على سرد القصص عن طريق عرض صور متحركة.‏

اما الدلالة السينمائىة فقد افرد لها الباحث ايضا بحثا كاملاً طالعنا من خلاله على اهمية الدلالة التي ينقلها الفيلم للمتلقي ويقول : ان كل ما يلفت انظارنا في العرض السينمائي وكل ما يحرك عواطفنا ويؤثر فينا هو ذو دلالة.‏

ويدخل الباحث في تفاصيل العملية السينمائية من حيث بنية القصة السينمائية والموضوع في السينما والصراع مع الزمان والمكان الى ان يصل بالقارئ الى مسألة الممثل السينمائي وفي هذا البحث يؤكد الباحث يوري لوتمان على اهمية المكانة التي يحتلها الانسان في البنية السينمائية للقطة وبيّن ان نشأة الفن السينمائي تاريخياً كان على نوعين من التقاليد: الاول تقاليد الفيلم الاخباري اللافني والثاني تقاليد المسرح, وبالرغم من ان المشاهد كان يتعامل في كلتا الحالتين مع انسان الا ان كلا من هذين التقليدين كان يتناول هذا الانسان الحي من زاوية نوعية بالغة الخصوصية ويفترض توجيهاًً مختلفاً كلياً للجمهور.‏

فالصورة الانسان على الشاشة تبدو كرسالة بالغة التعقيد تتحدد سعتها الدلالية (السيمانتيكية« بتنوع انظمة الرموز المستخدمة وتعدد مستوياتها وتعقد تنظيمها الدلالي.‏

ويختم الباحث الكتاب من خلال بحث قضايا السيمياء واتجاهات السينما المعاصرة فيقول: لقد بدأت الاشكالية السيميائية تتسلل ليس فقط الى لغة الفيلم بل ايضاً الى مضمونه, فجذبت اهتمام فناني السينما على اختلاف اتجاهاتهم, برغمان ( فيلم الوجه« فيلليني ( ثمانية ونصف « وانطونيوني ( بلو آب «.‏

ويبرمج الباحث هذا الكلام بشكل تطبيقي من خلال وقفة مطولة مع فيلم انطونيوني ( بلو آب « لأن هذا الفيلم يجسد بوضوح قضايا سيميائية السينما.‏

ونستخلص ما يود الكتاب توصيله من خلال الخاتمة التي تقول: السينما تخاطبنا, انها تخاطبنا بأصوات متعددة تشكل طباقيات بالغة التعقيد, السينما تخاطبنا وتريدنا ان نفهمها.. اللغة تغدو هي الأخرى مضموناً, بل وتتحول احيانا لتصبح موضوع الرسالة, وهذا ينطبق تماماً على اللغة السينمائية ..ان فهم لغة الفيلم هو خطوة أولى نحو فهم الوظيفة الفنية والايديولوجية للسينما, فن القرن العشرين الاكثر جماهيرية.‏

اذا كانت تلك دراسة مكثفة عما جاء في كتاب ( قضايا علم الجمال السينمائي« مدخل الى سيميائية الفيلم, الذي ألفه الباحث السينمائي الروسي يوري لوتمان وقام بترجمته عن الفرنسية الاستاذ نبيل الدبس.‏

وقد لاحظت من خلال قراءة الكتاب شغف المترجم بالسينما,هذا الشغف هو ما جعل الترجمة سلسة مفهومة واضحة مدعمة بالشواهد.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية