الذي رفض وجود قاعدة وطنية للحوار، وهذا الرفض يعني بالدرجة الأولى أن الدول المشغلة للإرهاب لا تريد للجنة أن تتقدم في عملها، وجعلها تدور في حلقة مفرغة أطول وقت ممكن، لقطع الطريق أمام إنجاز أي خطوة على مسار الحل السياسي.
إصرار الطرف الآخر على رفض جدول الأعمال، وخرق مدونة السلوك المتفق عليها في الدورة الأولى بهدف تعطيل الاجتماعات يثير الكثير من الأسئلة، ويعيد إلى الأذهان صورة التدخل السافر للدول المشغلة للإرهاب خلال جلسات الحوار السوري السوري في جنيف قبل نحو ثلاث سنوات، فخلال الجولة الأولى لاجتماعات لجنة مناقشة الدستور، رفض الطرف الآخر صيغة «لا ورقة» قدمها الوفد الوطني تتضمن مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه وإدانة الدول الداعمة له، وهذا استكمال لما كان الوفد الناطق باسم الدول المشغلة له وللإرهاب قد رفضه في اجتماعات جنيف السابقة، وفي الجولة الثانية يرفض ذات الوفد المشكل تحت مسمى آخر، مقترح الوفد الوطني تحت عنوان «ركائز وطنية تهم الشعب السوري»، ولم يرد على المقترح، وهذا بحد ذاته أسلوب مكشوف للتعطيل والتهرب من المسؤولية، فمن غير المعقول أن يرفض طرف يدعي انتماءه للدولة السورية جملة من الثوابت الراسخة لأي دولة كانت، كحقها مثلا في الدفاع عن سيادتها في وجه أي عدوان خارجي، هو يرفض ذلك في حالة واحدة فقط، عندما يكون مسلوب الإرادة، ومرتهنا للدول المعادية.
الحديث الأميركي والغربي السابق عن ضرورة بدء اجتماعات مناقشة الدستور، يتضح الآن أنه لم تكن غايته الوصول إلى حل سياسي كما ادعت منظومة العدوان، وإنما استثمار الاجتماعات كغطاء لتمرير مشروعها التدميري, عبر فرض شروطها, وأخذ ما عجزت عنه بالقوة عن طريق السياسة, ومن خلال رفض وفد النظام التركي الواضح والصريح لجدول الأعمال المتفق عليه، يتضح أن هذا الوفد يفاوض باسم الدول المعادية، ويسعى لتمرير حل يتوافق مع مصالح الدول الداعمة للإرهاب فقط، دون الاكتراث لرغبات وتطلعات الشعب السوري الذي يتستر به ذاك الوفد ويدعي أنه يعمل لمصلحته، بينما هو في حقيقة الأمر ينفذ ما يملى عليه من أوامر.
الدولة السورية تعاملت بكل مرونة وإيجابية مع لجنة مناقشة الدستور بشكليها الموسع والمصغر، ولكنها حذرت في الوقت نفسه من الخطر الذي يهدد عملها، وهو التدخل الخارجي، وهو ما يحصل في جنيف اليوم، والجانب الروسي أكد أيضا أن التهديدات بإفشال عمل اللجنة لا تزال موجودة كما في السابق، وهذا يثبت مجددا أن أقطاب منظومة العدوان ليسوا في وارد التوصل إلى حل سياسي، وإنما مواصلة الرهان على عكاز الإرهاب، والعودة إلى المربع الأول، لأن تعافي سورية، وإنجاز نصرها الكامل على الإرهاب يعني القضاء على كل المشاريع الصهيوأميركية، في سورية والمنطقة برمتها.