ولعنةً على عدوِّه -عدوّ كلّ أرضٍ عربية.
إنها قضيّته.. قضية الشاعر اللبناني «وهيب عجمي» الذي فاقمت أحداث مجتمعاتنا من الشرارات القديمة المشتعلة في دواخلهِ كما واقعه.. شراراتُ غضبه على كلّ من رآه يسعى للنيلِ من وطنه وعقيدته ولغة قصيدته:
«عربيةٌ لغتي لسانُ قضيَّتي/ آفاقُ حلمي، للفلاحِ نداهُ/ غسلتُ أوجاعي بطهرِ مدادها/ سالت بشرياني الحزينِ دماهُ/ يا سائلي عن سِّرها هذا دمي/ عبرَ السطورِ مورَّدٌ بجناهُ/..
لاشكَّ أنها القضية التي دفعتنا لمحاورته، والتي جعلته معرَّفاً بها لدى بدءِ قوله عن سيرته:
•• أنا ابن الجنوب المقاوم.. أنا ابن «معركة».. جبلني وطني بكمشةٍ من ترابه، وبدمعةٍ من عينيه.. تنفَّسني والدي صوتاً عذباً من على إحدى تلال الجنوب في بلدتي «معركة» ليحملني الوادي على أجنحة الأثير إلى الجهة المقابلة، ويعود بي عبر صدى صوت أمّي التي كانت تجمع حلمات التين لتملأ السلال، وقبل أن يأتي المساء، ينبتُ الحب في أرضِ الصمود والشعرِ والغناء..
من رحمِ الشعر ولدتُ، وبكيتُ بكاء البحر لما رأيت الحربَ محيطاتٌ مالحة في وطنِ الدموع.. الوطن الذي استباحه قتلة أباحوا فيه الذبح، وباعوا للأرصفةِ الجرح والملح والجوع.
القصيدة سلاحي، وبها أواجه وأقاتلُ كلّ من يسعى لإلقاءِ الموت على الأوطان، وكلّ من يسعى لإثارة حرب الطوائف التي مزقت أحشاء العرب كما لبنان.. بها: «ألملمُ الجرحَ يا شعبي أضمِّدهُ/ فينزفُ الجرحُ شلالاً يُبلِّلني/... كم مرَّةٍ يا إلهَ الحبِّ أسكُبها/ هذي القصائد من دمِّي وتسكُبُني».
• هكذا كانت البداية, بداية ما استدعاه «عجمي» الذي وإن كان خالص الحبِّ والوفاء لوطنٍ تجذَّر فيه، فلأنه وكما أجاب على سؤالنا: ما الوطنُ في قصيدةِ الشاعر الذي يُرثيه ثم يُحييه؟.
•• الوطن هو انتمائي.. أجسّد فيه أشواقي وأكتبُ حبي نفثاتٌ صادقة، وما القصيدة عندي إلا للتغني بجمالياته وانتمائي لأصالته وعروبته، وقضاياه المصيرية..
هو وطنُ الحياة التي لم ولن تموت رغم طعناتِ الاقتتال وهمجية الاحتلال الذي أغرقها بالدمِّ مُذ «قانا وتوبة السكين». الديوان الذي سطَّر بدماءِ شهداءِ هذه المجزرة، وسواعدِ الأبطالِ المقاومين.. سطَّر وشكَّل مفرداتي وصرختي:
«لجُرحكِ في الحشا جمرٌ كوانا/ بلاؤكِ يا ابنة الدنيا بلانا/ لنختصر المشاهد يا عيوني/ كفانا من دمائكِ ما كفانا/.. صهاينة المجازرِ قد فشلتم/ وأسقطنا بنيسان الرهانا/ قتلتم خيرة الشبّانِ حقداً/ وأنشأتم على الجثثِ الكيانا/ مجازِرُكم عليكم شاهدات/ وليست آخر الشهداءِ قانا/..
• كلّ هذا وسواه مما شظَّى عروبته، جعله شاعر القصيدة وصحوته، نارِ مقاومتها ودماءِ رجالاتها.. المقاومة التي سألناهُ عن قصيدتها، فردَّ بحنجرتها:
•• ماهمني ذئبٌ عوى ونباحُ/ فأنا المقاومُ والدماءُ سلاح/ هذا سلاحي في المواقعِ صامدٌ/ شرفٌ لنا وكرامة وفلاحُ/ هذا سلاحُ الأكرمين بموطني/ يحمي حِمانا ان غزا السفاحُ/.. إني المقاومُ إن دعاني واجبٌ/ فالحقُّ سيفي ساعدايَ رماحُ/ ما حرَّرَ الاوطانَ الا ثائرٌ/ وبنادقٌ ودمُ الفتى وكفاحُ/ وجلالُ شعري أنه لقضيتي/ وعلى المنابرِ في الورى صدَّاح/ شمس المقاوم في زماني أشرقتْ/ ولكلِّ ليلٍ في الزمانِ صباحُ/.
• ننصتُ لكلماته المُشبعة بالإنسانية. بالأحاسيس والهموم العربية. ننصت لجوابه ولدى سؤاله: ماالذي تقوله القصيدة المرفوعة بالقيم، عن زمنٍ تجرُّه الخياناتِ والاقتتالات إلى العدم؟.
•• في زمنٍ يقتل العرب فيه إخوانهم العرب، ويتحالفون مع أعدائهم.. الزمن الذي يتآمرون فيه ضد العروبة وقضاياها المصيرية، ويدفعون مليارات الدولارات لأعداء الامة، ويفتعلون الحروب ويقتلون الأبرياء بوحشية. في هذا الزمن أقول: لابدَّ أن يعود الحق لأهله، وأن تقوم صحوة فكرية وإنسانية وأخلاقية ضد الظلم والظالمين.
أقول هذا وتقول القصيدة: / والعربُ ناموا على الاسيافِ وانتحروا/ بكى عليهم حداةُ العيسِ والإبلُ/ همُ على طاولاتِ الغير دميتُهُ/ مُصادرون مساجينٌ وما خجلوا/ إلى متى سيظلُّ العارُ مسكنَهم/ ويُغرِقُ العربَ في آبارهم وحَلُ/؟..
• وحدهم شهداء الأوطان، يرفعون قيمة الحياة والإنسان، ووحدهم الشعراء المقاومين يكرِّسون قيمهم وتضحياتهم.. هل من كلمةٍ لهم؟. سؤالٌ لشاعرٍ رتّل على أرواحهم؟.
•• سطعتم على دروب الحياة كأشعة الشمس، فأضأتم الأماكن الصدئة في قلوبنا وعقولنا وأرواحنا وحياتنا.. الحياة التي لم تعرف معنى الكرامة إلا بكم وبتضحياتكم..
يامن تلوِّحون لنا من خلف السحابات البيضاء بأيادٍ مخضَّبة بالدم، نقول لكم: قروا عيناً، لازلنا نتبع خطاكم نحو الحلم الذي لا تملك رصاصه ولا قنبلة ولا دبابة أن تقتله.. أقول للشهيدِ المقاوم: /بكَ الأشعار تسمو والقوافي/ فتبتهجُ الحروفُ على الشّهابِ/ حُجبتَ فداءَ أرضكَ في جنوبٍ/حجوبَ الفجرِ في ثوبِ الضبابِ/.
• أخيراً، ولأن دمشق هي عشقه الأبدي - المقاوم والصامد والمتحدّي.. طلبنا منه أن يُسمعنا ماقاله في زيارته المؤخرة لها، فردَّ ممتشقاً قصيدته التي هتفتْ على منابرها:
•• /في القلبِ سورية/ بذلتُ لها دمي/ مجَّدتها أمَّاً أباً وجدودا/ هي تينتي أرضُ العروبة كرمتي/ منها فؤادي يشبهُ العنقودا/ فتحتْ ذراعيها لتمنحني الجنى/ فحضنتها سهلاً ربا وجرودا/ تتكلّم الأشعار زأراً هادراً/ هتفتْ تخاطبُ في الشآمِ أسودا/ إني أتيتُ من الجنوبِ مقاوماً/ فرفعتُ للنجمِ الرفيعِ نشيدا/ لن تكتفي بالمهرجانِ قصيدتي/ فقصيدتي أن أستريحَ شهيدا/.
بطاقة
- شاعرٌ لبنانيٌّ معاصر.
- يحمل إجازة في الأدب العربي والدراسات العليا.. عضو اتحادَي الكتَّاب اللبناني والعربي.
- من دواوينه: «الأصابع المحروقة» و«البركان» و«القارعة» و«قانا وتوبة السكين» و«فتاة الضوء» و«علّميني» و«من الشمس هوت» و«أعيدوني إلى أمي» و«بحر اللهب» و«الأرض روحي».