يخططون للقيام باستفزازات كيميائية في منطقة خفض التصعيد في إدلب من أجل اتهام الجيش العربي السوري واستدراج موقف دولي جديد معاد للدولة السورية التي سبق لها أن تخلصت من مخزونها الكيماوي بالكامل بإشراف أممي في العام 2014، حيث أكدت وزارة الدفاع الروسية نقلاً عن أهالي في بلدة «سرمدا» أن مسلحين وصلوا إلى البلدة في مطلع تشرين الثاني الجاري، في ثلاث شاحنات محملة بحاويات تحتوي على مواد كيميائية، وكذلك معدات تصوير فيديو احترافية.
في هذه الأثناء عادت لجنة تقصي الحقائق التابعة إلى منظمة حظر السلاح الكيماوي إلى لعبة تسييس تقاريرها الفنية بخصوص الهجوم الكيماوي المزعوم الذي وقع في بلدة دوما بغوطة دمشق في نيسان من العام الماضي واستخدمته كل من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا بعد أيام قليلة كذريعة لعدوان ثلاثي مبيت على منشآت علمية ومدنية في سورية، وقد سبق للولايات المتحدة الأميركية أن شنت هجوماً صاروخيا على قاعدة الشعيرات الجوية في نيسان من عام 2017 بذريعة هجوم كيماوي مزعوم وقع على بلدة خان شيخون في ريف إدلب.
وفي جديد التسييس الأممي في الموضوع الكيماوي خدمة لأهداف غربية خبيثة دافع المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فرناندو أرياس، قبل أيام، عن تقرير لمحققيه حول هجوم مفترض بهذا النوع من الأسلحة في سورية على الرغم من كشف وثائق تشكك في نتائج التقرير.
فموقع «ويكيليكس» المشهور نشر في نهاية الأسبوع الماضي رسالة إلكترونية لأحد أفراد الفريق الذي حقق في الهجوم المفترض ذاته، واتهم المنظمة الدولية بإخفاء مخالفات،
ومن حسن الحظ أن روسيا وضعت يدها على هذه الرسالة وعلى وثيقة سابقة أيضا تشككان في النتائج التي توصلت إليها المنظمة حول هجوم دوما.
يشار إلى أن لجنة أخرى تابعة للأمم المتحدة قد قامت بتلفيق تقارير كاذبة ومزيفة بخصوص هذه المسألة قبل عامين، حيث قدمت هذه اللجنة لمجلس الأمن تقريراً يحمّل الدولة السورية مسؤولية استخدام غاز السارين فيما بات يعرف بهجوم خان شيخون، متجاهلة كل المعطيات والوثائق والادلة التي قدمتها سورية وحليفتها روسيا حول وجود هذا السلاح بيد الإرهابيين ونيتهم استخدامه بغرض التحريض على الدولة السورية وتحميلها المسؤولية، وخاصة مع وجود محور عدواني يدعم الارهاب ويحاول توظيف أي حادثة من هذا النوع من أجل التدخل في الشأن السوري وإعاقة أي تقدم في مجال إنهاء الحرب والأزمة في سورية.
المستغرب في كل ما يجري هو تأكيد جهات مختلفة من بينها جهات أميركية وغربية امتلاك واستخدام هذه الأسلحة من قبل الجماعات الارهابية كـ»جبهة النصرة» و»داعش» وغيرها، ورغم ذلك هناك نية مسبقة لاعادة اتهام سورية باستخدام السلاح الكيماوي كملف ضاغط يراد منه الحصول على نتائج سياسية بعد أن عجز الارهاب المدعوم من دول الغرب وأدواته في المنطقة في فرض أجنداتهم في سورية.
في المجمل لم تتوقف عمليات ابتزاز الدولة السورية والضغط عليها عبر استخدام هذا الملف الحساس من حين لآخر وذلك من أجل تحقيق بعض المكاسب السياسية، أو تقديم الدعم المعنوي للإرهابيين أو لبعض الجهات المناوئة للدولة السورية، وقد بات مشهدا مألوفا أن تعود نفس الجهات الإعلامية والدولية لإثارة هذا الملف ضد سورية مع كل تقدم يحرزه الجيش العربي السوري وحلفاؤه في مواجهة الجماعات الارهابية المدعومة من قبل الغرب ومع كل تطور يعكس اقتراب سورية من مرحلة التعافي والعودة للعب دورها المؤثر على مستوى المنطقة والعالم، حيث بات الجميع يعلم كيف يتحكم الغرب بلجان التحقيق الأممية ويشكلها حسب مزاجه ويفبرك تقاريرها لخدمة مصالحه وأغراضه، عبر موظفين يدسهم داخل هذه اللجان ويحركهم ويتلاعب بضمائرهم وفق أجندته وأهدافه.
فمن المعلوم أن الدولة السورية كانت سباقة منذ اللحظة الاولى في المطالبة بالتحقيق النزيه والشفاف بكل الهجمات الكيماوية المزعومة والحقيقية بغية التوصل للحقيقة كاملة كما كانت سباقة في المطالبة أيضاً بتحييد هذا الموضوع بالكامل عندما أبرمت في العام 2013 اتفاقاً مع المنظمة الدولية للتخلص من مخزونها الكيماوي بموجب القرار الأممي 2118 وبالفعل تم التخلص من كامل المخزون على متن سفينة أميركية في البحر مع انتصاف العام 2014 باعتراف منظمة حظر الكيماوي، ولكن الدول الغربية الداعمة للإرهاب كانت تتجاهل كل هذه المعطيات وتشكك، ومن ثم تستبق نتائج أي تحقيق في هجوم حقيقي أو مفترض وتبادر إلى شن عدوانها على سورية في محاولة لقطف نتائج سياسية إلى جانب إعادة خلط الاوراق على الأرض، والسعي المفضوح لتبرئة أدواتها الارهابية التي كانت تحصل على السلاح الكيماوي عبر تركيا من جهات عدة.
فبعد حادثة خان شيخون لم تنتظر الولايات المتحدة نتائج التحقيق الذي طالبت به سورية، بل عينت نفسها مدعياً عاماً باسم «الضحايا» وأصدرت حكمها الظالم ثم شنت العدوان على السيادة السورية في السابع من نيسان عام 2017 بهجوم صاروخي على قاعدة الشعيرات الجوية بذريعة أن الهجوم الكيماوي انطلق منه، ثم قدمت معلومات كاذبة ومضللة لتبرير عدوانها المدان، ومن بين الأكاذيب التي تم روجتها آنذاك أن القاعدة تحوي مختبراً أو مصنعا لإنتاج الأسلحة الكيماوية، وكانت المفاجأة المدوية التي تلت الهجوم بأسابيع قليلة هي اعتراف أوساط أميركية بأن الرئيس دونالد ترامب أعطى الإذن بالعدوان على سورية قبل أن تقدم له استخباراته ما يؤكد مسؤولية سورية عن الهجوم، أي أن الهجوم كان مبيتاً ومنسقاً ومعداً وقرار تنفيذه متخذاً قبل حادثة خان شيخون، لكنه كان يبحث عن ذريعة مناسبة، فاخترعت الحادثة لتكون تلك الذريعة الوقحة سلاحاً بيد ترامب كي يستقوي بها في وجه معارضيه في الداخل وكذلك أداةً لابتزاز دول التآمر على سورية بمزيد من صفقات السلاح وغيرها.
لا شك أن قيام لجان الأمم المتحدة المسيسة والمخترقة من قبل واشنطن بلعب مثل هذه الأدوار القذرة ــ أي فبركة التقارير ضد الدول المستقلة ذات السيادة ــ من شأنه أن يعطي المبررات لشن الاعتداءات والحروب ضدها، في حين يقع على عاتق الأمم المتحدة مسؤولية تاريخية تجاه تبيان الحقائق والسعي لمنع التوظيف السياسي والحؤول دون اندلاع المزيد من الحروب الأزمات، ومما لاشك فيه أن استمرار الأمم المتحدة في ممارسة هذا الدور هو الذي يشجع جهات مارقة كالكيان الصهيوني لممارسة العربدة والعدوان ضد سورية طيلة سنوات انشغالها بمحاربة الارهاب.
إن خضوع الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة لهيمنة القوى الكبرى سيفقدها مصداقيتها يوما بعد يوم وسيضعف دورها على الساحة العالمية وهذا من شأنه زعزعة الأمن والاستقرار العالمي وإثارة الكثير من المشكلات والحروب ما يحتم على دول صديقة مثل روسيا والصين والهند وضع حد لهذه العربدة الغربية ومنعها من تنفيذ أجنداتها التخريبية.