هذا ما أطلقه عدد من النقاد على السنوات التي أعقبت الحربين العالميتين في القرن الماضي وكيف تبخرت بسرعة تلك «السعادة» واختفى أثرها في الأدب مطلع الثمانينات من القرن العشرين على هامش انتشار حروب استنزاف في مناطق البلقان وسواها من المناطق الأوروبية التي لاتزال ساخنة حتى اليوم.
تسلط الأديبة والمؤرخة الإيطالية سيمونيا غريفييو في كتابها «اعترافات» الأضواء على سنوات الرصاص التي حملت ويلات حربين عالميتين للعالم وليس للقارة العجوز وحدها إضافة إلى ما خلفته الحرب الباردة من مآسي وعودة تلك المرحلة إلى واجهة الأحداث مؤخراً وعنوان هذا العمل الضخم «الدولشي فيتا» 1959- 1979. وفيه تتساءل الكاتبة عن الجاذبية التي تتمتع بها تلك الأعوام حتى استقطبت أدباء ومخرجين مسرحيين وسينمائيين من كل حدب وصوب واليوم تخترق من جديد الساحة الأدبية بحلة معاصرة. وبعد أن أخرج المبدع الإيطالي فريدريكو فيلليتي فيلمه: «الحياة السعيدة» وعرضه في صالات روما في شباط عام 1960 بدأت أوروبا الغربية تعاني من دوامة الإرهاب قبل أن تنتشر تلك الظاهرة في أرجاء الولايات المتحدة الأميركية رغم أن تلك الأخيرة هي صانعة الإرهاب (بحسب قول غريفييو).
ففي المرحلة التي تلت الحربين العالميتين اتسعت شرائح الطبقات الفقيرة في أنحاء العالم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً مع سيطرة سياسات محافظة على دول أوروبية شهدت نشاطات عصابات إرهابية منظمة عبر ضفتي الأطلسي لتعرف كل من إيطاليا وجاراتها كألمانيا «الألوية الحمراء» وعصابات «بادن».
وبذلك تفتح «الدولتشي فيتا» صفحات وحواريات متعددة الأطراف منها حديث متواتر بين أمير عجوز ومرافقه المخضرم الذي يمثل لسان حال المؤرخة «سيمونييا». وشاب مرافق ومساعد خاص لنبيل إيطالي يمثل لسان حال تلك العصابات لا بل يشكل عضواً بارزاً في صفوفها خاض إلى جانب أفرادها عمليات اقتحام المنازل وسرقة المصارف والمخازن وصولاً إلى الاعتداء على الحسناوات في الطرقات ليلاً والنساء الثريات في الأرياف، لكن هذا اللص الظريف لم تتلطخ يديه بالدماء فانكفأ على ذاته وابتعد عن تلك المجموعات المسلحة قبل أن يغرق في مستنقعاتها الآسنة.
وتعود سيمونييا غريفييو إلى ملفات القضاء الإيطالي وإلى أرشيف الصحافة المحلية خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي تقلب تحقيقاتها ومصاردها ووثائقها لتؤرخ لحقبة حملت السعادة للمجتمعات الأوروبية بيد والتعاسة بيد أخرى وتأتي محطات الاعترافات متقطعة حيناً ومتواصلة حيناً آخر كي لا يمل القارئ من الحديث المتداخلة أحداثه والمتقاطعة فصول وقائعه فمحاولة القارة العجوز الابتعاد عن نيران الحروب ونسيان الماضي الأليم سرعان ما جاءت ببارقة أمل بالحياة السعيدة غير أن الحلم انكسر قبل ثلاثة عقود من الآن ولم ترحل كوابيس الحروب إلى الأبد.
وتكشف سيمونييا كيف تعمل أصابع الاستخبارات الأميركية في الخفاء لتعكير صفو الحياة السعيدة «الدولتشي فيتا» في أوروبا تقول: ألم تقف تلك الأجهزة السرية وراء خطف وقتل ألدو مورو زعيم اليمين الإيطالي وضرب الأحزاب التقدمية في تلك البلاد؟ ألم تقم السي آي إيه علاقات مشبوهة مع المدعو «جونبو بورغيزيه» وهو من أصحاب المصارف الفاحش الثراء في إيطاليا والممول الأول لعصابات الإرهاب في الغرب ألم تعمل المافيا الإيطالية المدعومة من السي آي إيه ْعلى تغيير حكومات روما كحكومة مانفاني كلما ابتعدت هذه الحكومات عن خدمة المصالح الأميركية؟
ولا تزال تلك الأيادي القذرة تقرر مصير الدول الغربية وسواها في العالم وهي من جاء بالمهرج بيرلسكوني إلى سدة الحكم لتعود البلاد اليوم إلى دائرة الإرهاب لذلك ما تخاف منه الانتلجنسيا الأوروبية هو العودة إلى سنوات الرصاص وتداعياتها.