تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


بيــــن الكلمـــة والرصاصـــــــــــة..

مبدعـــون علـــى صفحـــات «الثـــــورة»
الأحد 29-9-2013
نمر حماد

هل هناك من تناقض ما بين الكلمة والرصاصة؟؟ متى يوجد هذا التناقض ومتى يزول؟؟

هذا السؤال قد يبدو مستغرباً للوهلة الأولى،، ولكنه يستحق التمعن والدراسة، لكثرة ما يكتب اليوم من مواضيع تتناول المقاومة والمقاومين والثورة وصانعيها..‏

إن بعض الكتاب يحاولون دائماً التحدث عن المقاومة العربية من خلال منظار ذاتي، بعيد كل البعد عن المعركة وعن ميدان القتال، فهم يطالبون بأمور ليس بوسع المقاومة أن تحققها الآن، والصورة التي تعكسها مقالاتهم توحي بالتشاؤم من مستقبل المقاومة، ولوأنهم لم يقولوا- هم- ذلك صراحة..‏

وهناك كتاب آخرون يتحدثون عن المقاومة أيضاً من زاوية التضخيم التي تبلغ حد الخرافة، ويصغرون من حجم العدو ومن حجم العقبات إلى درجة مضحكة تبعد القارئ عن الاستمرار في متابعة الموضوع..‏

في هاتين الحالتين نرى أن الكلمة تتناقض مع سير الرصاصة، وتسير في اتجاه مخالف لها، وبرأيي إن السبب يعود إلى ارتباطات مشبوهة بالنسبة للنوع الأول من الكتاب، وإلى جهل وغوغائية بالنسبة للنوع الثاني.. وكلاهما على أي حال يسيء للمقاومة أكثر مما يفيدها.‏

هذا الكلام عام وغير محدد، ولو دققنا في منعكساته أكثر لوجدنا أن بين القارئ العربي والكتاب السياسيين بالدرجة الأولى حلقة مفقودة اسمها عدم الثقة، فهناك عشرات بل مئات من يطلق عليهم تجاوزاً اسم الكتاب، وهم لا يفقهون من الكتابة سوى صف الكلمات وراء بعضها البعض، بحيث لا يختلف معنى الموضوع سواء قرأته من آخره إلى أوله أو من أوله إلى آخره.‏

طبعاً من هو المسؤول؟؟ برأيي أيضاً، أن المسؤول الأول هو الكاتب الجاد الذي يؤدي ابتعاده إلى إفساح المجال للعناصر الجاهلة «لتحشر» نفسها، وهذا لا يلغي بالطبع مسؤوليات الأجهزة الإعلامية التي تسمح لمثل هؤلاء بنشر «ماهبّ ودبّ» من الكلمات.. والكلمات فقط.‏

نقرأ كثيراً من يقيم تجربة ما..‏

ننظر إلى عنوان الموضوع فيخدعنا، لم نبتلي ونقرأ سطراً منه فنجده إما بلا معنى إما حشو أفكار مسروقة من هنا وهناك، وتبقى المشكلة الكبرى أن هؤلاء يناقشون قضايا أكبر منهم بكثير، ويتحدثون عن موضوعات لا علاقة لهم بها ولا علاقة لها بهم..‏

إن النوع الأول من الكتاب المشبوهين والمدانين أعجز من أن يقنع أحداً، أو أن يشوه القضايا الوطنية الكبرى مهما طال لسانه، ولكن النوع الثاني خطر، لأنه يسيء من غير أن يدري ويضرّ في الوقت الذي يحسب أنه يقوم بعمل جيد نافع..‏

الكلمة.. وأقصد الكلمة المواكبة لمسيرة الرصاصة وبالتالي لمسيرة الثورة المسلحة، لابد أن تكون بمستوى هذه الثورة تنطلق من وجدان صاف ومن إيمان عميق ومن إدراك كامل لأبعاد المعركة وجوانبها.‏

إن أقل واجب يمكن أن يتحمله الكاتب العربي الجاد في هذه المرحلة التاريخية هو أن يدرك المعنى الكبير لتضحية الفدائي بنفسه... إن من يضع نفسه معلماً يجب أن يثبت أنه متعلم أولاً، ومن يريد أن يضع نفسه موجهاً للثورة، يجب أن يثبت أنه كان ثائراً..‏

لقد عمدت بعض الأقلام في الخارج إلى إغراق الأسواق بمقالات تتحدث عن المقاومة والمقاومين، وكانت كلماتها تحمل أسلوب التعالي والترفع تصبغ على نفسها صفة القيادة، وبعض هذه الأقلام كان إلى أشهر قليلة يسبح ويحمد باسم أميركا.‏

إن أقوال من يمجدون سياسة أميركا العدوانية في فيتنام لا يمكن إلا أن تدل على تمجيدهم للسياسة الصهيونية في الأرض المحتلة، وعندما تكتب بعض الأقلام المأجورة عن المقاومة العربية فإنها تحاول فقط أن تركب الموجة وبظنها أن الجماهير العربية جاهلة..‏

ليس من الصعب أن نجد أن الثورة المسلحة في الأرض المحتلة سبقت بأشواط الأفكار، ولم توجد حتى الآن الصيغة الموضوعية للإحاطة بكافة أبعاد الثورة المسلحة وبمستقبلها، وهذه مسؤولية ضخمة، بل مسؤولية تاريخية يتحملها الكتاب الجادون الشرفاء..‏

إن الرصاصة بحاجة إلى الكلمة.. الكلمة التي تحمل حرارة الرصاصة، والقادرة على إحداث دوي كدويها ومن يستطيع أن يقوم بهذه المهمة غير الكتاب الملتزمين فكرياً وعملياً قضية الجماهير، والمناضلين طيلة تاريخهم مع ركب الثورة العربية..‏

هؤلاء الكتاب مطالبون اليوم بإعطاء الكلمة قدسيتها، ودفعها إلى مستوى شرف الرصاصة.. وبالتالي تكوين سد في وجه المزيفين والجهلة..‏

الخميس 9/5/1968‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية