تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


حـــرب مــــن وراء الأقنعــــة

مبدعـــون علـــى صفحـــات «الثـــــورة»
الأحد 29-9-2013
عبد الله السيد

في مجتمعنا الجديد.. ظاهرة اجتماعية لا يمر يوم دون الإحساس ببعض مظاهرها، أو دون تلمس بعض من جوانبها فهي حقيقة واقعة في كل ميدان من ميادين الفاعلية والإنتاج والإنجاز، وهي خطيرة بمنطلقاتها مثلما هي خطيرة بنتائجها.

هذه الظاهرة ليست سوى ظاهرة صراع بين الجيلين المتجاورين، بين السابق واللاحق، بين القديم والحديث وفي الحق.. فإن ظهورها في مجتمعنا ليس «دالة» انحراف، وإنما «دالة» تطور وحياة وحركة، لأن كل جيل من أجيال المجتمع يعطي شيئاً، يبدع، ويبلور،،وينجز، ويحقق مفاهيم جديدة، يكرس حياته لتجسيدها معبراً عن تجريته الوجودية مع الواقع والحياة والكون. إلا أن منحى الزمان المستقبلي يجعل الثورة مناطة دائماً بالجيل الجديد، وإبروح الشباب وتطلعاته، واستشفافه لقيم جديدة، ما يجعل الصراع متجدداً تجدد أجيال المجتمع ومما يجعل الحركة الاجتماعية وتسارعية هذه الحركة على ارتباط إيجابي دائم مع هذا الصراع. ولذا فقد كان لهاسمة الانتشار الأفقي كما كان لها سمة الاستمرار الشاقولي، أي إن وجودها هو واقعة مطلقة من وقائع الحياة عند كل الشعوب عبر الزمان، وعبر كل عهود التاريخ.‏

لكن هذه الظاهرة تتخذ معنى في كل مجتمع يختلف عن معناها في المجتمعات الأخرى ويتعلق هذا الاختلاف بنوعية النظام السائد والمتبنى، ففي المجتمعات الرأسمالية وفي مجتمعات الفوضى والعشوائية تبرر هذه الظاهرة بمنطلقات هذه المجتمعات، وبخلفية أنظمتها على أساس فردي وذاتي بحجة أن الحرية متاحة للجميع.‏

إلا أن هذه الظاهرة تكسب معنى جديداً، عند الشعوب التي انتظمت بنظام قيمته العليا هي المجتمع، أو عند الشعوب النامية، التي تهدف لتحقيق تسارعية معينة في حركة التطور عند هذه الشعوب، لن يبرر الصراع بين الجيلين إلا بقيم مستمدة من روح المبادئ والأهداف التي يطمح إلى تحقيقها في الواقع الحياتي.‏

ونتساءل.. في مجتمعنا.. ما الجديد في هذه الظاهرة؟.. ومن أين تتأتى خطورة منطلقاتها ومن أين تتأتي خطورة نتائجها؟..‏

أما الجديد فهو أن الظاهرة لا تتسم بالصراحة فهي في واقعها صراع خفي، حاد، متقنع، متقنع من جانب بعض الجيل السابق الذي يتسم في حياته بسمة الازدواجية، فمنطلقاته في هذا الصراع هي المنفعة الذاتية والمصلحة الشخصية والانتصار لمكاسب الفرد، ولحريته المطلقة، ولكنه بحكم المناصب والمسؤوليات المناطة به، والقوى التي يمارسها، ينطق ويتقنع باسم المجتمع والمسؤولية والغيرة.. وأحياناً باسم الثورة.‏

باسم هذه القيم، أضحى بعض الجيل القديم، يحارب الجيل الجديد مبعداً إياه عن المركز الحقيقي الذي يجب أن يأخذه، خانقاً لطاقاته قبل أن تتفتح، وقبل أن تعبر عن مكنوناتها ضاناً عليه بالخبرة، وحتى بفرصة الممارسة، وما الباعث الحقيقي لهذا الموقف، إلا الخوف من الدم الجديد والفاعل والمنجز من أن يزيح الجيل القديم، ويتسلم مراكزه.‏

ولعل هذه الظاهرة تبرز أكثر ما تبرز في حيز الدوائر الرسمية وفي حيز التعليم الجامعي، أما في المؤسسات الثقافية والأدبية والفنية فتبدو بشكل حاد وواضح.‏

والحقيقة أن خطورة نتائج هذا الصراع تنشأ من إبطاء تسارعية حركة المجتمع بإيقاف الطاقات عن النمو وعدم مد المجتمع بالدم الجديد، والزخم الفتي الذي يهب للمجتمعات حيويتها وحركتها ونظرتها المستقبلية.‏

وأما النتيجة الثانية فهي ردة الفعل العكسية عند أفراد الجيل الجديد، فهم لا ينسبون الضغط والإحباط إلى الجيل القديم كأفراد وإنما إلى النظام الذي يحتويهم ما يجعل الظاهرة معقدة ومشوهة الأبعاد.‏

وربما كنا نخلص إلى نتيجة، وهي أن المسؤولية كل المسؤولية تقع على عاتق الشباب، وإن الثورة تقتضي منهم عدم الغياب عن ميدان الصراع، وعدم الانتهاء إلى السلبية إلا أنه لا يمكن إغفال أن هناك حالات مورست فيها القوى من قبل الجيل القديم، بشكل حاد وقاس، وقبل أن تكتمل الشخصيات وتتبلور الطاقات ما يتطلب في هذه الحالة نوعاً من الرقابة الاجتماعية التي تكشف زيف المقنعين كما تنزع عن صراعهم - والأحرى حربهم- سمة القدسية لصالح التطور والشباب، وبناء المجتمع الجديد.‏

الأحد 23/6/1968‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية