فامتلاك إسرائيل السلاح النووي وامتناعها عن الانضمام إلى معاهدة الحد من انتشاره يمثل عامل توتر دائم في المنطقة لذلك يجب عدم استثناء إسرائيل من الانضمام إلى معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، كي لا تكون مهيمنة على المنطقة، وهي مصرة على عدم التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية وترفض الكشف عن برنامجها أو السماح للوكالة بتفتيش منشآتها أو مراقبتها، تطبيقاً لما تسميه سياسة الغموض النووي، وقد ساعدتها الدول الكبرى في سياستها هذه، حيث لم تطالبها جدياً بالكشف عن حقيقة برنامجها ولا المراحل التي بلغها، ما يشكل تهديداً للمنطقة برمتها وللسلم والأمن الدوليين على الصعيدين الإقليمي والدولي
ولعالمية هذا الصك الدولي.
تاريخ أسود من التهديد والوعيد والسرية والغموض
تفوقت إسرائيل على بريطانيا كخامس أكبر قوة نووية في العالم وتنافس الآن فرنسا والصين في حجم ترساناتها النووية وإمكاناتها، حيث تمتلك ما بين 200 إلى 500 قنبلة نووية وجهاز تفجير، وأسلحة نووية أخرى ذات تكتيكات صغيرة، بالإضافة إلى الألغام النووية والصواريخ البعيدة المدى ومتوسطة المدى، وكميات هائلة غير معروفة من الأسلحة البيولوجية والكيماوية والجرثومية، وهذه الأسلحة كافية لتدمير منطقة الشرق الأوسط بالكامل حسب خبراء.
وبعيداً عن العدد فإن الأسلحة النووية الإسرائيلية تعد من أعقدها على مستوى العالم ومصممة أساسا لاستخدامها في حروب «الشرق الأوسط» وتعد قنبلة النيترون أسوأ ما في ترسانة إسرائيل النووية وهي مصممة لتعطي كمية زائدة من أشعة غاما المميتة، بينما تقلل من التأثير الانفجاري والإشعاع الطويل الزمن وتعتمد أساسا على قتل الأفراد دون المساس بالمباني وتشمل تلك الترسانة أيضا صواريخ عابرة وقاذفات قادرة على الوصول إلى موسكو وألغام نووية « قامت إسرائيل بزرع تلك النوعية من الألغام في هضبة الجولان السوري المحتل في الثمانينات وقذائف مدفعية نووية يبلغ مداها 45 ميلاً، كما يستطيع صاروخ « شافيت « العابر للقارات والذي أطلق قمر التجسس الإسرائيلي أن يحمل رأسا نوويا وزنه 8000 كيلوغرام، كما تسلمت البحرية الإسرائيلية بين تموز 1999م وأكتوبر 2000م 3 غواصات دولفين ولفياثان وتيكوما ويعتقد أنه تم تعديلها لحمل صواريخ عابرة «كروز».
يقدر خبراء حجم الترسانة النووية الإسرائيلية بضعف حجم تقديرات الاستخبارات العربية والغربية وحتى الأميركية منها. ويتحدث تقرير عسكري غربي صدر في بداية العام 2009 عن أنه لدى الكيان الصهيوني عام 1974 خمس عشرة قنبلة نووية ووصل نهاية الثمانينات إلى ما يزيد عن مئتي قنبلة نووية ورأس نووي. وتمكن من تجميع أكثر من 400 قنبلة نووية نهاية التسعينيات وأشار التقرير إلى أن الصهاينة عام 1973 طوروا عشرين صاروخاً نووياً وثلاثة وحدات مدفعية نووية تحوي كل منها أثنتي عشرة فوهة من عيار 175 ملم و230 ملم. وأضاف التقرير إلى أن الكيان الصهيوني أنجز كل ما يبتغيه من مشروعه النووي في بداية الألفين حيث قام بإنتاج قنابل نيترونية وألغام نووية وقنابل الحقيبة وصواريخ تطلق من الغواصات والقنابل الهيدروجينية التي يمتلكها الكيان الصهيوني ذات بعد نوعي إذ إن قوة كل قنبلة هيدروجينية تزيد مئة ألف مرة عن القنبلة النووية الاعتيادية والقنبلة الهيدروجينية تعتبر قنبلة معقدة وباهظة التكلفة ومعقدة التطوير وتمتلك مثل هذه القنابل أميركا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين.
البرنامج النووي الإسرائيلي بدأ على يدي شمعون بيريز في مطلع الخمسينيات والذي اشرف على شراء المفاعل النووي الفرنسي في اكبر صفقة نووية قذرة تعقدها فرنسا مع إسرائيل في ذلك الوقت.
واذا كان «النووي الإسرائيلي» قد ابصر النور على ايادي بيريز فان غولدامائير رئيسة وزراء إسرائيل كانت الحاضنة الرئيس له وهي التي اعطته نبض الحياة حتى وقتنا هذا، وذلك حينما أبرمت في مطلع السبعينيات اتفاقاً مع الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون، يتم تجديده مع كل رئيس اميركي يأتي إلى السلطة في البيت الأبيض، وينص الاتفاق على انه بإمكان إسرائيل ان تمضي قدماً في برنامجها النووي كيف تشاء ما دام هذا البرنامج سيبقى طي الكتمان والغموض النووي، وهكذا اندفعت إسرائيل بقوة ودونما خشية أو خوف في تطوير اسلحتها النووية تحت حماية المظلة الأميركية، حتى وصلت إلى تهديد المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط وربما أوروبا بهذه الترسانة النووية العملاقة.
ومن هنا فإنّ جوهر أمن إسرائيل في غاية الوضوح، في حال السلم كما في حاله الحرب لا يتغيّر، هو التفوق العسكري على العرب مجتمعين، بالإضافة إلى استراتيجية الردع النووي التي يمكن استخدامها دائما.
ومما يجدر ذكره أنّ السياسة النووية الإسرائيلية تعتمد -أساساً- على تفاهم تم التوصل إليه في العام 1969 بين الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، ويتمثل ذلك التفاهم بأن تحافظ إسرائيل على «الغموض النووي» وأن تمتنع الإدارة الأميركية عن ممارسة أي ضغط يهدف لحملها على التوقيع على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية، والتزمت الإدارات الأميركية المتعاقبة بذلك التفاهم الودي، غير المكتوب.
وتعتبر السرية من أهم أسس إستراتيجية إسرائيل النووية الرسمية، ويقول محللون «إنّ استراتيجية الغموض النووي هي إحدى أهم معالم إطار الصراع ذاته، بما يرتبط بذلك من شكوك وعدم ثقة».
ولم تتوقف إسرائيل، منذ انشغال العالم بالمسألة النووية، عن محاولاتها تقديم مختلف المبررات الواهية والحجج غير الواقعية لامتناعها عن التوقيع على معاهدة حظر انتشار السلاح النووي. ومن هذه الحجج أنها لن توقع ما لم يكن هناك اتفاق على سلام شامل، ولهذا فهي ترفض حتى إعطاء موعد مستقبلي للتوقيع على المعاهدة.