ولقد كان من الممكن للحس الجماهيري العام أن يقف عند حدود الارتباط العفوي بالموقف السياسي المعيشي إلا أن الأحداث المرافقة والتي عمقت ووسعت من تجربة الجماهير، كانت قد سلمت الجماهير بأول معطيات الفكر الاشتراكي، إذ أرفدته بالجرأة.
الجرأة بتفحص مايقال!! والجرأة الناقدة للاعتبارات العاطفية البحتة!! ومقارنة معطيات الواقع،ليس من خلال النوايا ولكن.. انطلاقاً من اعتبار المنجزات خطوات نحو تحقيق الهدف القومي الأكبر ولقد كان العطاء المباشر لهذه الجرأة والذي أظهر نفسه في جميع المناسبات، هو نمو الوعي الطبقي باتجاه الوضوح والوحدة الطبقية.
وكان من نتائج ماتقدم أن وقفت بصلابة في مواجهة التضليل الاعلامي فلم يدفعها الى تغيير طريقها، بل كان ازدياد الضغط ينتج مزيداً من الوضوح ومزيداً من التحديد لملامح الطريق وبالتالي صلابة في تحقيق التصور انجازاً واقعياً ملموساً.
الأمر الذي دفع بالقوى الاستعمارية الى إعادة النظر في أساليبها، حيث أدركت أن الحصار الاقتصادي، والتآمر الداخلي، ومحاولة بذر اليأس، والسعي لفصم الجماهير عن طليعتها ورأس حربتها في الكفاح، غير مجد، غير أن الكادحين بوعيهم الطبقي، وبمعايشتهم الحسية لواقعهم المعاصر ادركوا أنهم يمسكون بالحرية مسكتهم للمعول وللآلة، وأن ضمير الطليعة وجماهيرها الكادحة واحد..
وكان أن ادركوا اللعبة، وأن وراء تراجع القوى الاستعمارية الصهيوينة الى اراشيفها أسلوباً جديداً وكان إن صح توقعهم حيث أيدته الأحداث إذ اندفعت قوى العدوان بنفس الاسلوب الاستعماري القديم، تجند آلة الحرب وترميها في المعركة بكل وضوح، وبكل ثقل التكتيك الحديث.
وجد الاستعمار ليستفيد، فجند قوى بهويات مختلفة واعطاها امكانيات غير محددة، وإن كانت منسقة، وابتدأت الطليعة بجميع أصولها الطبقية الكادحة، تعيد الدرس وتستجلي الحلول !! الى أن خرج الوعي بإدراك أن امكانيات النصر موجودة لديها وأن طاقاتها لدفع درجة النضال وتنظيمه أكثر توفراً، وكانت الثقة بين الجماهير وطليعتها أمتن لأنها بنيت على أرض التجربة، وتجاوزت معطيات الموقف ورفضت أن تؤطر نفسها بحدوده.. وطرح التساؤل من جديد: أليس من الممكن أن يخطىء وعي الجماهير هذه المرة ؟! وتوالت المغالطات واساليب التشكيك متبرجة الف زي وزي، وكان رد العدو مكذباً لجميع الادعاءات!! لأنه بردود أفعاله كشف ليس عن خطورة ماتوصل اليه الكادحون بل عن صحة وعيهم وأكد لهم الثقة بأن اسلوبهم النضالي هو المحقق لآمالهم.
ومن هذه الزاوية بالتأكيد نستطيع أن نفهم شراسة مقاومة العمل الفدائي طليعة الفكاح المسلح، ولكن الطليعة تدرك أن شراسة هجمة الاستعمار والصهيونية على العمل الفدائي انما هي محاولة لاجهاض الكفاح المسلح في بداياته الأمر الذي يعزز ثقة الجماهير بصحة طريقها، وبأسلوب طليعتها النضالي ويعبئها أكثر لمصلحة الثورة في جميع المجالات، الداخلية والخارجية، ضمن الأهداف القومية الطامحة الى مجتمع عربي اشتراكي موحد.
وهنا ليس المطلوب من الجماهير أن تزيد التحامها مع طليعتها فهو الى جانب كونه محققاً، فإن الجماهير تدركه جيداً، كما أنه ليس المطلوب أن تزيد الطليعة ثقتها بالجماهير الكادحة، والسبب واضح لأن هذه الطليعة خرجت من بين صفوف هذه الجماهير ومازالت تعيش معها، تعلمها وتتعلم منها، وانما المطلوب بحق الاستعداد للتضحية والجماهير الكادحة التي كانت مادة للثورة الوطنية والتي سرقها بالبرجوازيون والاقطاعيون، لا تبخل بأن تضحي في سبيل معركتها القومية.
المعركة في بدايتها!! والحرب لم تتوقف كما يدعي المدعون، بل الحرب مستمرة لأن الحرب لا تعني اصطدام قوات مسلحة وحسب، بل تعني أن الاستعداد مرحلة من مراحل الحرب، والتنظيم، والتعبئة، والبناء إن كانوا استعداداً فهم في أهميتهم لايقلون عن أهمية العمليات الفدائية، وعن الصدام المسلح المباشر.
السبت 23/3/1968