هذا السؤال وغيره برسم الإدارة الأمريكية ومن سار خلفها لمدة قاربت السنة والنصف ، فإذا كان التوافق قد حصل بين القوى العالمية في اجتماع جنيف وما قبله على ضرورة تنفيذ بنود محددة أعلنها موفد الأمم المتحدة وقد سميت بخطة كوفي عنان ، وإذا كانت الحكومة السورية وافقت عليها وتبنتها وكانت متعاونة وحريصة على تنفيذ هذه الخطة منذ إطلاقها ، فلماذا لا يتم تسمية الأمور بمسمياتها الفعلية في مجلس الأمن والمنظمة الدولية ؟ ولماذا لم تُسأل الدول التي تدعم الإرهابيين على الأراضي السورية وتمدهم بالسلاح والمال وتُشكل لهم الغطاء السياسي في منتديات أشبه بسوق عكاظ للتسابق على ناقة كما حصل في مصر وباريس مؤخراً ، ومن هي الجهة المعنية بمحاسبة تلك الدول العربية والاقليمية التي تُجاهر في تسليح الجماعات الإرهابية التي تقوم بمجازر حقيقية ضد الشعب السوري ؟ ألا يُعتبر استمرار تلك الدول بهذا العمل المخالف للقوانين والتشريعات الدولية انتهاك وقح لحقوق الإنسان وخروج على القانون الدولي في عملٍ يتعارض مع متطلبات إنجاح خطة الموفد الدولي ؟
بكل الأحوال ليست المرة الأولى التي تعتمد فيها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها هذا التباين والتناقض والإزدواجية في المواقف السياسية والدولية ، وهي تعتمد عبر تاريخها الأسود تجاه المنطقة العربية تعدد المعايير والقفز دوماً فوق القانون الدولي والأعراف الدولية ، وإذا كان اجتماع جنيف الذي عقدته مجموعة العمل حول سورية قد خرج بوثيقة واضحة وضوح الشمس فحواها ضرورة دعم المجتمع الدولي بكل مكوناته لخطة الموفد الأممي كوفي عنان ببنودها الستة دون تحريف ، وهذا يتطلب من أعضاء مجلس الأمن الدولي لعب دور مزدوج عبر فرض ضغوط متساوية على طرفي الصراع من أجل تنفيذ الخطة من جهة ، ومراقبة ومحاسبة الدول العربية والاقليمية التي تستمر في تغذية الجماعات الإرهابية بالسلاح والمال ، وقد جاء اجتماع أعداء الشعب السوري في باريس ليؤكد الدور المشبوه للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في القارة العجوز في الأزمة السورية ومحاولة تقديم كل مبررات الاستمرارية لها .
بكل الأحوال فإن الحرب على سورية والتي أخذت أبعادها المتكاملة على الأرض والخطة التي تُدار من غرف عمليات مجاورة للحدود السورية في أكثر من بلد تنكشف بوضوح ، وهي تؤكد بأن ما يجري في سورية ليس صراعأ على السلطة كما أنه ليس حرباً أهلية كما تشتهي الدول والقوى التي اجتمعت في باريس ، ولن تكون كذلك في المستقبل لأن تنامي الوعي العام عند جميع أطياف الشعب السوري استطاع أن يكشف أكاذيب القنوات المضللة التي تعمل بتوجيه من مراكز الاستخبارات الإسرائيلية والغربية لضرب عزة ومنعة الشعب السوري ، لكنهم كمن يُريد تجفيف البحر بغربال ، فقد أكد الشعب السوري عبر التاريخ امتلاكه قدرة خلاقة في احتواء مشاكله ، والتغلب على أمراضه الانتانية بعلاج حيوي محلي .
مهما تقلبت ألوان الحرباء ، فهذا لا يزيد من وزنها أو قدراتها على التغيير شيئاً ، وهنا مهما تمادت الرجعية العربية في غيها وعمالتها ، ومهما قدمت من أموال وسلاح وخيانة ، ومهما دفعت لتغييب الرأي العام العربي والعالمي عن الحقيقة ، لن تستطيع أن تُزيح البوصلة السورية عن اتجاهها الصحيح ، وإذا كانت القيادة السورية تعاملت بهدوء ورباطة جأش في مواجهة العملاء والأعداء ، لأنها تثق تماماً بقدرتها على الردع في الوقت المناسب ، ولأنها كذلك تُريد للجرح العربي النازف على كافة الجبهات أن يندمل قبل أن يُصيبه العلل الدائم الذي لن يخدم إلا إسرائيل وتفوقها على العرب !!
Email:m.a.mustafa@mail.sy