تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مقاومة اليأس بالأصابع ؟

آراء
الخميس 19-7-2012
حسين عبد الكريم

(بهجة) بنت حمدان الراعي تأخرت حتى تزوجت.. والجار سلمان لايبعد شباك بيته عن نافذة بيتها اكثر من نسمة أو غمزة عين أو اشارة ضحكة جبلية، لكنه ظلا يمران قرب قلبيهما وكلمات العشق المملح بالبساطة ونكهات الألفة البسيطة كحبات الحمص المرشوشة

بالملح المبلل بالماء.. لم تقل له: أحبك ايها الجار اللطيف! وهو لم يصعد يوما الى قلبه ويسأله الشجاعة او كلمة استلطاف .. والقلوب الـ هكذا حنونة وصادحة وصادقة لاتعقد الامور. ولاتبخل على أصحابها بالمشورة العشقية الـ فلش البلدية مثل منديل حرير، وحكاية جرة ماء ونبع ونساء..‏‏

سلمان تشاغل عن بهجة الراعي بالذهاب إلى أقربائه في البلدة القبلية، وهي لم تنتبه إلى أنوثتها الوعرة كدروب الحطابين، الذين يختارون الصعود إلى الأعلى ولا يتراجعون، لأنهم يعرفون أن مهنة التحطيب تحتاج قلباً واثقاً معفراً بالمرارات وتحتاج همة عاتية تفي بغرض مواجهة العيدان اليابسة العنيدة والجذوع المتوقفة عن النسغ.‏‏

سافر إلى الأقرباء والتقى ببنت الخالة وظنها ستحبه لكن كما قال هو عنها: حولاء وحولها صرف نظراتها عن الرجل الجيد... وكيف لا أكون جيداً وقد جمعت القروش ورتبت البيت؟!‏‏

وانصرفت عنه إلى سواه من الجيران وتزوجته بمهر مقدمه (حاكورة) وشجرة تين وخمس زيتونات ومؤخر وقدره صندوق مجلوب من المدينة وقرطان من الفضة وفستان حدوة ساخطة تطلق قرقعة مسموعة عند كل خطوة.‏‏

ومن مستلزمات المهر المؤخر سرير يلقى النوم العسير والـ(نط) والـ(فط) الكثير والـ(خبط) المثير..‏‏

قوام بنت الخالة حسب رواية سلمان مليء بالجمال والكمال: تمشي باتئاد وساقاها والقدمان في اتزان واتقان والردفان حسنان وممتلئان وأحسن ما عند المرأة الردفان والصدر الريان والفم الضحكان، والحكي الهامس تقوله الشفتان وتدونه وترسله العينان لكن يا حسرة العشقان اللي ما إلو عند الحبيبة حنان؟!‏‏

عاد الـ سلمان وعادت رفة الـ بهجة بنت الراعي حاول أن يكلمها كلام الأحباب للأحباب فكانت نظراتها الصارمة تصده وترده.‏‏

وهي لا تنظر بصرامة وقوة عن خبرة ودراية بل الواقع القاسي يعلم الملامح المآسي والتعاسة وقد ملأها واقعها بالقسوة والشدة وقلة الأنوثة لم يبق في الحارة إلا قلباهما لم يرتبط برابط الشوق والزواج صاحب الدكان صديق الـ سلمان وتوسط بين قلبه والـ بهجة:‏‏

- ما رأيك يا بنت الناس بـ الجار؟‏‏

- هو عند أقربائه يريد الزواج من بنت الخال؟‏‏

- من قال لك؟‏‏

- هو أذاع الخبر ودردر السر ونشر.‏‏

- رفضته أو لنقل: اختلفت معه..‏‏

- وشو الناس رح يقولو عني: أخذت (فضالة) غيرها؟‏‏

- الـ فضالة للفضيل.‏‏

- ليس بالزواج.‏‏

- وبعد أخذ ورد قبلت الـ بهجة بنت حمدان الراعي الزواج من سلمان ولد أبو قصب وأوافي.‏‏

بيته غرفة واحدة وفسحة ومطبخ لا يتسع لأكثر من قفير حنطة وقدر و (ميزر خبز) والميزر هو جامع الأرغفة وهو من الأزر... طلبت مقدماً شجرة التوت المشرفة على بيت أهلها، والمؤخر عدة منزل يصنعها والده ذو المسعى الحميد واليدين البارعتين في شبك عيدان الريحان وربطها بالخيطان والفنانتين في عقد القصب مع القصب لتصنيع الـ سلال الكبيرة والصغيرة.‏‏

فعل الأب ما ينبغي فعله تجاه الكنة الجارة.. وقد راقبته بعناية وصبر..‏‏

فرح القلبان بالزواج الميمون لكن الـ سلمان المحزون تصدع حيله وتعثر فؤاده وقبل الانجاب من بهجة الراعي غادر الحارة مريضاً مهترئاً:‏‏

ماذا دها قلبك أيها الرجل من أول لطمة حب سقطت على الدرب وحدت عن مراد الأيام؟‏‏

مؤخر الـ زوجة أفضل من الـ مقدم إذ تعلمت فن القصب والريحان وراحت تصنع الأواني بإتقان وحنان حتى صارت مقصد الرعيان يأتونها بالقضبان والقصب فتبدع السلال والقفائر وتوسعت درايتها حتى انتجت الشراشف والمظلات القصبية ودونت اسمها على مصنوعاتها البهية البسيطة الجيدة: تصميم وصناعة بهجة حمدان الراعي.. زوجة سلمان الـ قبلي ولد أبو قصب.‏‏

أفرح قلبها لقب: زوجة سلمان أو أرملة عشقه اليتيم.‏‏

الترمل في العشق موجع وقاصم للظهر لكنها لم تعط لليأس حصة كبيرة من وقت بالها ومصير حالها بل احتفظت لنفسها بأحقية الفن الراقي وتصنيع القدور القصبية وعيدان الدبق ومظلات الأسطحة والمطاعم والمقاصف:‏‏

شغلها متقن وذوقها وطني..‏‏

وسألها الدكاني: والقلب ماذا تقدمين له؟‏‏

قلت لك: (فضالة) غيري لا تنفع عمري وفؤادي لكنك جبهتني بـ الفضالة للفضيل لكن ليس في الحب وإن أتاك طالب قرب فليكن قد الحب وليس فضالة وراحت تشبك سلة قصبية على شاكلة قلب ودمعة حب وشبكت سلة أخرى على شاكلة بلدة.‏‏

وعلى المظلات لم تنس أن تنسج من الكلمات! وطني حبيبي وعلى الشراشف القصبية شبكت من الحروف: القلب هوايته العشق والخط حزين... ومادام في اليدين قوة سأعلم الأقرباء فن الصبر على المحن وفن الحياة.‏‏

لم تنجب بهجة أولاداً و أنجبت آلاف السلال الجميلة والقفائر والمصنوعات وأنجبت ذوقاً وطنياً راقياً.. وعلى الواجهة حيث المفرق المتشارك مع المدينة وبلدتها: بهجة الراعي لصناعة القصبيات وتحت الكلمات لوحة واسعة: رعاة وعشاق ونساء ودموع وسلال وطن الأحباب.‏‏

نامت بشاعة السنوات أمام محاسن الحب البلدي الكبير... على مستوى الزوج تعثرت لكنها على مستوى حبها الوطني أنجبت فناً وراحة نفسية وابتكرت من بساطة الأرض ما يشبه حب الأرض ومن بساطة الرعي ما يفرح النساء والرجال والأذواق وهي تقول دائماً حظي ليس بالأولاد.. بل بالأذواق والذوق الجيد رزق وفير...‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية