شكل هذا الوضع المتأزم أرضية خلافية واسعة بين البنتاغون الأميركي من جهة والبيت الأبيض من جهة أخرى وهي أرضية تتسع مساحتها يومياً نظراً للفشل المترافق لقوات الاحتلال لأفغانستان.
قائد القوات الأميركية في أفغانستان والذي يتولى أيضاً قوات حلف الناتو في هذا البلد الجنرال ستانلي ماكريستال دخل في معركة حقيقية مع البيت الأبيض بشخص نائب الرئيس جو بايدن الذي يحاول رفض جميع طلبات الجنرال ماكريستال بشأن زيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان من نوع الوحدات الخاصة حصراً لإنهاء المعركة في أقرب وقت إضافة إلى أن جو بايدن يشكك في قدرة الجنرال ماكريستال في كسب المعركة وهو لذلك يرى ضرورة استخدام القوات الأميركية بتركيز أكبر لجهة القضاء على تنظيم القاعدة في الساحتين الأفغانية والباكستانية، مع العلم أن بايدن هذا هو الذي لم يكن متحمساً لسياسة الانسحاب من العراق إلى أفغانستان، أضف إلى ذلك أن بايدن وغيره من أركان الإدارة الأميركية يعارضون بشدة مطالبة الجنرال ماكريستال بزيادة عدد القوات الأميركية في أفغانستان بنحو 165 ألف جندي أميركي و39 ألف جندي أطلسي في حين تقول تقارير إنه طلب أيضاً بصورة سرية من الرئيس أوباما رفع العدد الذي أرسل مؤخراً من القوات الأميركية إلى أفغانستان من أربعين ألفاً إلى ثمانية آلاف جندي وهو ما لم يعلم به نائب الرئيس جو بايدن إلا مؤخراً، حيث أبدى كذلك معارضة شديدة لذلك مؤكداً أن استراتيجية الجنرال ماكريستال لن تؤدي إلى أي نتائج مهما تم ارسال قوات إضافية له سوى المزيد من الخسائر في صفوف الأميركيين وقوات حلف الأطلسي.
كذلك رئيس موظفي البيت الأبيض راحم ايمانويل انضم مؤخراً إلى صفوف نائب الرئيس جو بايدن وهو يسعى حالياً لتشكيل ثنائي مع جو بايدن نائب الرئيس أوباما وهما ثنائي من أقرب المقربين لإسرائيل وبدوائر المنظمات اليهودية واللذان يسعيان إلى إعادة توسيع رقعة الحرب في العراق وعدم الانشغال بأفغانستان.
الخلاف أميركياً حيال أفغانستان انضم إليه أيضاً وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس وكذلك وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، إذ يرى غيتس ضرورة زيادة عدد القوات في أفغانستان إذا كان ذلك سيؤدي إلى القضاء على طالبان والقاعدة لكنه لا يزال يشكك في تحقيق هذا الهدف بالقريب العاجل.
بينما الوزيرة هيلاري كلينتون والتي تعتبر من أبرز الفاعلين في القرارات الأميركية لكن من خلف الكواليس، فهي تؤيد بشدة زيادة عدد القوات لكن وجهة نظر مستشار الأمن القومي الجنرال جيس آل جونز لا يزال متردداً إزاء قدرة القوات الأميركية والأطلسية في أفغانستان على الحسم، وهو يطالب بضرورة التروي في الوقت الحالي وضرورة البحث عن صيغة جديدة توفق بين النظرتين في مواقف أعضاء الإدارة الأميركية وبالتالي الخروج من هذا المشهد الذي وصفه بالمشهد المقلق في أفغانستان.
الخلافات في الرأي داخل الإدارة الأميركية انضم إليها مؤخراً المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك الذي يرى ضرورة زيادة عدد القوات شريطة قيام الإدارة الأميركية بانتهاج سياسة تؤدي إلى الإطاحة بالرئيس الأفغاني الحالي كرازاي أو اجباره على تطبيق اصلاحات سياسية واسعة سبق أن قدمتها إليه واشنطن ولم يلتزم بها أو ينفذها.
إذاً الوضع الأفغاني شكل هيجاناً سياسياً حقيقياً في فريق الإدارة الأميركية ومعنى ذلك أن الأمر سيبقى كذلك دون وجود أي مؤشر على طرح خطة أميركية موحدة جديدة لمعالجة الملف الأفغاني ولا سيما أن حركة طالبان الأفغانية تسيطر اليوم على 75 بالمئة من شمال أفغانستان ما يعني أن خطوط امداد قوات الناتو القادمة عبر روسيا وبلدان آسيا الوسطى مهددة بين لحظة وأخرى من قبل طالبان الذين أصبحوا كما تقول تقارير غربية بذلك ينتشرون كالنار في أرض المعركة بشمال أفغانستان وهو ما اعترف به أحد الجنرالات الأميركيين أيضاً والذي يرى أن استهداف مقرات قيادة الجيش الباكستاني مؤخراً من قبل حركة طالبان البنجابية يعتبر مؤشراً قد يغير مسرح الحرب الأفغانية ولا سيما أن هذه الحركة تسيطر على جنوب ووسط باكستان التي كانت تعتبر لوقت قريب من المناطق الآمنة بسبب وجود قبائل البنجاب.