هل يمكن لشاعر عظيم كبوشكين ان يكتب تراجيديا وبالاسم الصريح لبطلين حقيقيين هما موزارت وساليري ؟ وهل تلتقي العبقرية وضيق الافق؟ أم هي قصة قابيل وهابيل تتكرر دائماً بأشكال مختلفة.. فالحسد والغيرة طبعان متأصلان في النفس البشرية كما في قصة النبي يوسف .. وكما في الآية الكريمة ( قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر حاسد إذا حسد) والأمثال الشعبية ( اتق شر من أحسنت إليه عملا) من هنا بدأ الأديب محاضرته بالقول يارب ارحمني من أصدقائي لأنني كفيل بأعدائي».
مسقطاً ذلك على الواقع الثقافي في مشهده الذي يتبدى في إلغاء الآخر بحجة الحفاظ على الفن.. قائلاً ذوق لهم غرورهم أنهم قائمون على الفن والأدب لكن العباقرة جاهزون دائماً لمد اليد وبوشكين في عمله هذا وباعتباره شاعر الحرية هو الذي قال أريد أن أغني الحرية وأفضح الشر المتربع على العروش والكامن في النفوس..
وبعيداً عن صحة الواقعة التاريخية التي بنيت المسرحية على أساسها وهي أن ساليري دس السم لصديقه موزارت بعد سماعه آخر ألحانه ( صلاة الجناز) فمن الممكن أن يكون المؤرخون بالغوا في تصوير العداء بينهما.. إلا أن الغيرة لعبت برأس« ساليري» ولكن ليس إلى درجة دس السم لصديقه ومن ثم ذرف دموع الندم ودموع التماسيح عليه .. إلا أن ما كتبه بوشكين هو تراجيديا انسانية نالت أحد عروضها /8/ جوائز اوسكار فهو يعيد طرح السؤال الكوني الازلي حول الخير والشر.
أما عن رمزية السم في هذه القصة فالاديب مالك صقور تحدث عنه باعتباره سلاح الجبناء السفلة فسقراط تجرع السم وهو يعرف لان الحياة من وجهة نظره كانت جرحاً لا يطاق لكن موزارت كرع السم وهو لا يعرف بل وهو يشرب نخب الصداقة.. نخب الاتحاد الازلي الصادق بين توءمي الصداقة موزارت وساليري كما قال الاخير له...
لكن هل يمكن أن تدفعنا عداوة الكار الى ذلك كما فعل ساليري ؟.. هذا هو السؤال الحقيقي؟ فساليري الموسيقي الحرفي الماهر الذي كان أستاذاً لثلاثة من أهم عباقرة الموسيقا وهم( بتهوفن- وشوبرتوليست) لكن الهبة العبقرية الخالدة لم تكن لديه، الأمر الذي دفعه لما فعل فوقع في براثن الشر وارتكاب الجريمة... فالشر والعبقرية لا يلتقيان كما قال موزارت في المسرحية على- حد تعبير المحاضر-..
أخيراً:
النقاش والجدل الذي رافق المحاضرة وأغناها تمحورا حول السؤال التالي( هل يمكن اعتبار العبقرية مرادفاً للخير بشكل دائم؟) أذ أن للشرر عباقرته!! من هنا نعود الى السؤال الاصل وهو هل يلتقي الخير بالشر في شخص واحد أياً كان عبقرياً كان أم حرفيا.. فقط لننظر حولنا وما يحيط بنا أليس ما نعيشه هو عبقرية الشر بكل ما يعنيه ذلك؟..
أما السؤال الاهم فهو إذا كنا لا نحسد على الواقع الثقافي... فهل يحتاج المثقفون لخرزة زرقاء؟