لذلك قد يفاجىء طفل في الثالثة من عمره والديه بالتعرف إلى إحدى القنوات الفضائية بمجرد رؤيته إشارة القناة، وقد يشير طفل ذو العامين و النصف إلى اسم منتج الطعام الذي يقدم له باستمرار بمجرد رؤيته الكلمة المطبوعة التي تشير إلى اسم ذلك المنتج أو علامته التجارية. إن وعي الأطفال باللغة المكتوبة يظهر في وقت مبكر جدا من حياتهم إذا ما عاشوا في بيئات غنية ثقافيا، يحرص فيها أفرادها على تعريض الأطفال للمواد المكتوبة أو المطبوعة و تقديمها لهم في سياق وظيفي، وعلينا التخلي عن فكرة أن الأطفال الصغار يأتون إلى الروضة أو المدرسة بمعرفة محدودة وقدرة معدومة على القراءة، و أن معرفتهم بعالم اللغة المكتوبة تبدأ فقط في الروضة. فعلى العكس من ذلك، كثير من الأطفال يأتون إلى الروضة بمعرفة لا بأس بها عن اللغة المكتوبة تتفاوت من معرفة الحروف، و أسمائهم، إلى معرفة وكتابة بعض الكلمات الشائعة الاستخدام، و إن هذا يعزا إلى ما يتعرض له الأطفال في بيئاتهم المنزلية من خبرات المواد المطبوعة مما يزيد من وعيهم و يوسع مداركهم في مصطلحات المواد المطبوعة، و من ثم الوعي باللغة المكتوبة .
وقد أشارت الأبحاث التي أجريت على البيئة المنزلية للأطفال الذين أظهروا سلوكات القراءة المبكرة إلى أن المواد المكتوبة الموجودة في تلك البيئات ساعدت على تطوير التعلم المبكر للقراءة، حيث كانت تلك البيئات المنزلية مليئة بتلك المواد (ملصقات0 كتب وقصص، تقويم شهري، رسائل وفواتير تصل إلى البيت بالبريد، صحف و مجلات، مواد الراشدين القرائية). وعليه، فإن البيئة المنزلية التي تثير فضول الأطفال حول اللغة المكتوبة تزود عادة بنماذج للمطبوعات المألوفة لديهم، كما أنها تشجعهم على البدء بتشكيل واختبار فرضياتهم الخاصة حول ماهية هذه المواد، ووظائفها ، و كيفية استخدامها.
وعليه، فينبغي أن نجعل عالم الطفل مليئا بالمواد المكتوبة، كما ينبغي على الوالدين و أفراد الأسرة تعريض الطفل لتلك المواد و توظيفها من خلال الإشارة أمامه إليها في سني حياته المبكرة جدا. كما ينصح الوالدان بقراءة تلك المواد لأطفالهم، و تشجيعهم على قراءتها. فمثلا يحبذ شراء ملابس للطفل التي تظهر فيها اللغة المكتوبة، و تعليق الحروف الهجائية أو صور مطبوعة بكلمات مكتوبة في غرفته، واستغلال كل فرصة للفت انتباه الطفل إلى المواد المطبوعة في منزله، كالرسائل و الصحف و المجلات و دليل الهاتف، أو تلك المواد المطبوعة في بيئته الخارجية كآرمات المحال التجارية، وشعارات مطاعم الوجبات السريعة و أسماء الشوارع. كما يمكن قراءة قصة مطبوعة للطفل والإشارة- أثناء القراءة- إلى كل كلمة مكتوبة بتحريك الإصبع من اليمين إلى اليسار. إن تعريض الطفل للمواد المطبوعة سيزيد من وعيه باللغة المكتوية كما أكدت كثير من الأبحاث التربوية و النفسية، حيث سيدرك الطفل بعض المظاهر المميزة للغة المكتوبة. فمثلا يمكن أن يدرك الطفل في سني حياته الأولى أن الخربشات
السوداء التي تقرأ له إنما هي كلمات منطوقة، و أن الكلام المكتوب يقرأ في سطور من اليمين إلى اليسار، وتقرأ السطور من أعلى إلى أسفل. كما أنه سيدرك أن اللغة المكتوبة لا تظهر فقط على الأوراق، بل يمكن أن تظهر على أسطح مختلفة كالملابس و الأكواب و المعادن و الزجاج، و أن هناك فراغا يفصل بين كلمة و كلمة. كذلك سيتولد وعي لدى الطفل بأن مصدر القصة التي تقرأ له ليس في الصور، و إنما المصدر هو العلامات المكتوبة التي ينظر إليها القارىء من وقت لآخر، و لكي تظهر وتتطور سلوكات القراءة المبكرة هذه، ينبغي خلق بيئة غنية بالمطبوعات، و إغراق الأطفال فيها بطريقة طبيعية وظيفية ذات معنى