تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


اللوحــــــة التـــــــــي تأتـــــــــــــي كحقيبــــــــــــة ســــــفر .. زياد دلول.. ولغز الأسود الخلاسي والأصفر المؤتلق

ثقافة
الاثنين 10-11-2014
علي الراعي

تأتي لوحة الفنان التشكيلي زياد دلول كأنها حقيبة سفر يضع فيها مما خزنّته الذاكرة في جنباتها وتفاصيل تذكرها: نساء شجر وأشياء.. ذلك أنّ دلول من الفنانين السوريين المسافرين أبداً، و..لذلك هو يرى أنه لا يمكن أن ترسم دون الرجوع للذاكرة أو بدونها،

و..إلا كان الرسم ببعد واحد، أو كان العالم المرئي هو اللوحة فقط، ثمة في اللوحة عالم مرئي وآخر لا مرئي ومن نافل القول:إن تحمل اللوحة مجموعة كبيرة من الذكريات: الطفولة، العلاقات الثقافية، و.. ذكريات قادمة أيضاً.. علاقة اللوحة بالذاكرة تأتي حوارية هنا، هي مفردات أساسية يعمل عليها دلول قبل سفره وخلال إقامته خارج الوطن وهو لا يعرف متى ستتوقف بل ويرجو لها ألا تتوقف..!!‏‏

الأشياء في شقها الحميمي‏‏

فالكرسي الذي سيظهر بأكثر من لوحة، هو الكرسي بأل التعريف، ليس كرسياً محدداً، الطاولة كذلك.. باعتبار اللوحة مهمتها: أن تنقل العالم تجلياً بل قل شعرياً وفنياً.. الأشياء في شقها الحميمي، التي تجاورنا في عملنا ومسكننا.. والأشياء في الطبيعة الكون عالمان متجاوران..وبالنسبة له كان همه أن يفتح بوابات بين هذين العالمين.. كيف نرى الداخل بمعناه المفتوح على الطبيعة وكيف ندعو الطبيعة إلى عالمنا الصغير في المرسم والبيت و.. الذاكرة ؟. هنا ثمة حكاية لـ «طاولات القرابين» التي تتكرر في أكثر من لوحة أيضاً.. كأنه يُريد أن يؤكد أمراً ما.. «طاولات القرابين» التي جاءت كنوع من تمجيد الطبيعة بأشياء أليفة هي طاولة أضحيات على الأفق أو بين الشعر، هي طاولات جبل، أو سهل، أو طاولات منظر بكل بساطة، و..رغم هذه المرجعية للذاكرة في شغل دلول، غير أنه - وكما أكدّ لي - إنه لم يرسم على الإطلاق في أعماله الأخيرة، و..منذ أكثر من عشرين عاماً نقلاً مباشراً عن الطبيعة، ولكنها كانت حاضرة في ذاكرته كما ولو كانت منذ أيام فقط، ولا يعرف في أي لحظة يمكن أن تخرج هذه الأفكار والصور إلى العمل الفني.‏‏

لعبة ألوان‏‏

اللون الأصفر، يأتي موشحاً أو مؤتلقاً متناغماً، هو البوابة التي تفتح ذراعيها للدخول إلى لوحة زياد دلول، وفي الأصفر ما يُشير إليه منذ أن تدخل أنه سيفتح لك أبواباً أخرى يرى أدونيس وثمة « لون خلاسي كأنه يجيء من الشمس والليل معاً» حقاً ما قصة هذا اللون الذي يشي لوحاته جميعها تقريباً..‏

ما السر في تقوية الاسوداد ؟. هنا تظهر لطخ الاسوداد آتية من مبدأ المُضيء المعتم.. بمعنى أن تجمع ضوء اللوحة كاملاً في جهة وظلها كاملاً في جهة أخرى، وفي مساحات الضوء الواسعة تبحث عن كثير من التفاصيل الفارقة، وكذلك في مساحات اللوحة المظلمة تبحث عن كثير من التفاصيل الفارقة في العتمة، أي الضوء كما العتمة لا يمحوان الأشياء فعلياً لأننا نعرف أن التفاصيل باقية معرفياً..»ضوء ساطع يتوهج ويتلألأ لكنه في الوقت نفسه غريب وسري حتى لنخال أنه من مادة لا نعرفها». يأتي الضوء من الداخل، باعتبار اللوحة هي تماماً عالماً موازياً، وتفاصيل هذا العالم كما أسلفنا آتية من الذاكرة ومن المعرفة التي تستمد عناصرها من العالم المرئي، من ناحية أخرى ما معنى أن ترسم لوحة لا ضوء لها، وهي أيضاً معتمة مطلقاً، وإذا نظرنا إلى أعمدة اللوحة الأساسية نقول: إنها خط ولون وضوء إضافة إلى كونها «مادة» ملموسة في نهاية الأمر..‏‏

بهذه الحالة من الرسم التي تأتي كصلاة يأخذ دلول «المتلقي» في رحلة «جوانية» ومفر تأمل طويل في ألوان اللوحة وضوئها. وذلك من رسم دلول هذا القليل من التشخيص إلى هذا الحد والمفعم بالأشكال الموحية، خطوط أولية على مسافة الإمحاء والتواري.. في هذه الواقعية المتخيلة نجد أطياف النساء.. كأن التشخيص لا يهمه بقدر الاحتفاظ بالعبق والعطر ومن ثم كانت هذه التوشيحات لهن.. « كأنهن الحقيقة والمجاز» معاً..هنا ثمة حضور لأشخاص أو لأشباح أشخاص أو لغياب أشخاص، ذلك لأنه يمكن أن يحضر الشخص بغيابه، كان همه الأساسي أن يجد الحل الأمثل تشكيلياً لحوار الشخص مع الطبيعة أو مع ما يحيطها، و..موضوع أسماء اللوحات غالباً ثمة شعرية في الاسم: «الضباب الأزرق» «درب الغسق» «ريح طائشة» «عصف أزرق»..أسأله ذات حين: «الشعر أم التشكيل» «أيهما يشكل فضاء للآخر»؟ يُجيب: تأتي أسماء اللوحات كمفاتيح صغيرة لعالمها. وأما ما بين الشعر والفن فثمة قرابة واضحة باعتبارهما نشاطين يفضلان البحث في المطلق في التساؤلات الأساسية للكون والوجود والصيرورة، وأعتقد أن فناً لا يطرح أسئلة كهذه هو فن عابر، و..برأيه يقترب الشعر من الفن كونه نشاطاً يزدري السرد ويمجد التأمل، ويقترب في ذلك ولكن من باب آخر مع الموسيقا خلافاً للنشاطات الإبداعية الأخرى التي ترى العالم برؤية سردية أكثر..!!‏‏

شعرية الأسماء‏‏

السويداء كانت المكان الأول الذي رأى فيه زياد دلول: الضوء، اللون، الأشجار، الناس، و.. الأشياء لأول مرة عام 1953 وفي كلية الفنون الجميلة في جامعة دمشق يتعلم التعامل «أكاديمياً» مع هذه المفردات. و..من ثم يحمل كل ذلك في حقيبته مسافراً منذ عام 1980 إلى أمكنة أخرى عديدة، ليضيف للمفردات الأولى مفردات جديدة، إلى أن يستقر في باريس منذ عام 1984 و..ليضع كل تلك المفردات التي حملها من أماكن بعيدة عايشها لأزمان مختلفة بطولها في لوحته فناً محتفياً بالأشياء، و..لتصبح اللوحة حقيبة سفر، و..جاء التغيّر في الجغرافيا أو الانتقال من بلد إلى آخر - كما يُردد دلول دائماً- كبحث عن أماكن وعن إيحاءات أخرى للثقافة الشخصية بالدرجة الأولى. ومن خلال ذلك يمكن أن يكون هناك انعكاس لهذا الغناء البصري من العمل alraee67@gmail.com‏">الفني..‏‏

alraee67@gmail.com‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية