كنا مع الفنانة المرهفة والمكافحة نبيلة النابلسي التي قدمت مقاربات فنية وإنسانية, من واقع تجربتها كفنانة, ومن واقع حياتها وهمومها وأحلامها ولوحاتها.
من حديث السيدة نبيلة النابلسي, النبيلة فعلاً, تتبدى لنا حقيقة ربما تغيب عن الكثيرين, وهي أن الفنان هو إنسان قبل كل شيء, وأن الصفة المهنية للإنسان, مهما كانت, لا يمكن أن تحجب صفته البشرية واحتياجاته الإنسانية, وهذا ما لمسناه في حديث السيدة النابلسي عن أسرتها وخاصة حديثها عن ابنها أنس الذي عانى منذ طفولته من مرض شلل الأطفال, لكن أمه واجهت معه محنة مرضه وتابعت شؤونه الصحية داخل سوريا وخارجها طوال عشرين عاماً, وما زالت تتابعها, ليتأكد لنا ما قاله أحد الشعراء: (الأم أعظم من أخصب), وأنه ليس ثمة قلب أكبر من قلب الأم, عطاءً.. وتضحيةً .. وإصراراً, وأن مواجهة الفنان لتفاصيل حياته الواقعية ودروبها المتعرجة والشائكة, تحتاج منه إلى سوية فنية وحسن أداء لا يقل أهمية وصعوبة عن السوية الفنية وحسن الأداء في التلفزيون شاشة السينما, أو خشبة المسرح.
تروي نبيلة النابلسي أنها قامت مع الممثل بسام لطفي بتأدية مشهد في مسلسل (الطويبي) للمخرج باسل الخطيب, عندما نزلت في ماء أشبه بالمستنقع, وهذا في سياق الحديث عن تأدية الأدوار الصعبة. غير أن هناك حديثاً آخر عن موضوع أكثر صعوبة وأدعى للتأمل, عندما تعثرت نبيلة النابلسي بثوبها الطويل وهي تنزل الدرج في مسلسل (ليالي الصالحية) للمخرج بسام الملا, وكانت النتيجة أنها وقعت وتدحرجت من أول الدرج حتى آخره, وكُسرت ساقاها أثناء التصوير, حقيقة لا تمثيلاً.
المفارقة هي أنه تم الطلب من الفنانة أن تستمر في تأدية دورها, وامتثلت لذلك كما تقول احتراما ً للمخرج بسام الملا, وقامت بتأدية جميع المشاهد المتعلقة بدورها وهي في وضعية الجلوس. تقول السيدة النابلسي أنها المرة الأولى في العالم العربي وربما في العالم يتم فيه إحضار فنان من المستشفى في اليوم التالي على إصابته وساقيه مكسورتين ليكمل دوره في المسلسل !
دخلت هيام منور بيت نبيلة النابلسي وشاهدنا وإياها لوحات الفنانة لنكتشف أنها لا تمثل فقط بل وترسم أيضاً. لوحات جميلة بألوان فرحة, وخاصة تجليات الطبيعة بأزهارها وبهجتها, ما يدفع إلى التفاؤل والتحليق, والعناق مع الحياة.
السيدة النابلسي ترسم ,وعرفنا منها أن ابنها يعزف على الأورغ, فهل يمكن القول أن هذه المرأة لا ترسم لمجرد التسلية بل لتكافح الألم بالفن, وأن ابنها الذي يكابد محنة المرض من طفولته إلى شبابه يتسامى بالموسيقى على ألمه, وأنه صحيح ما قاله شكسبير: (الموسيقى غذاء الحب), وعميق ما قاله كونفوشيوس: (لاتسلني عن قوانينهم, بل سلني عن موسيقاهم) ?!
هل يمكن القول أن الفنانة نبيلة النابلسي عندما قامت بتمثيل مسرحية عن المعاقين, شاركتهم وشاركوها التمثيل, بحنوها الإنساني عليهم, باندماجهم النفسي, بقبضات أيديهم وغناء حناجرهم, بتشوههم الجسدي وصمودهم المعنوي, إنما كانت وكانوا منصهرين في الألم والأمل, متعلقين بالرجاء, وحب الحياة, وأنه صميمي وغائر ما قاله تنيسي وليامز في مسرحية (عربة ترام اسمها الرغبة): (أرني شخصاً لم يعرف الحزن, وأنا أبرهن لك على أنه ضحل وسطحي) !
ajaber@scs-net.org