لاأريد أن أعيش مع الصور والذكريات، أشتاق لرؤية أولادي وضمهم وأخشى ألا يفكروا بالعودة إلى وطنهم.
مغتربون كثر هاجروا في سن الشباب، وهذا أب عامل في إحدى المؤسسات الحكومية يسعى جاهداً لتأمين «فيزا عمل» في الخليج لابنه ربما يحسن وضع الأسرة المادي، ويحقق طموح أخيه الكبير بالزواج والإنجاب دون أن يفكر ذلك الأب بمساوىء هذا الاغترب دون معرفة ماهية المجتمع الذي سيرحل إليه ابنه ودون أدنى احتمال بعودة ابنه خالي الوفاض، وهل كل من يغترب يعود ثرياً؟
منذ أيام التقيت ابن صديقتي وهو في السابعة عشرة من العمر - هذا إذا قسنا عمره بحساب السنين - ولكن بحساب مهارة التحدث والخبرة الحياتية فعمره يتجاوز الخمسين، وعندما سألته عن طموحه الشخصي أجابني دون تردد: السفر علماً أنه وحيد ووضع أسرته المادي ممتاز، ومبررات سفره كانت أكثر غرابة ودهشة من تفكيره بالسفر نفسه فهو يريد أن يشعر بالحرية والديمقراطية.
البحث عن فرصة عمل ودخل أفضل
الفقر في الوطن غربة وهذه الغربة تسهل على من يفكر بالهجرة مغادرة وطنه وتحمل أعباء الغربة في الخارج.
استنتاج توصلت إليه مشاركة من محافظة اللاذقية في المسح الذي نفذته الهيئة السورية لشؤون الأسرة بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان حول التمكين والمشاركة المجتمعية للشباب وذلك في إطار مشروع دعم الاستراتيجية الوطنية للشباب في سوريا وتبين أن أكثر من ثلث المبحوثين (34.3٪) يفكرون بالهجرة وأوضح أكثر من ثلثي الشباب الذين يفكرون بالهجرة أن أهم الأسباب هي البحث عن فرصة عمل ودخل أفضل.
يقول شاب من درعا: والدي طبيب اضطر نتيجة عدم كفاية دخله إلى العمل في الزراعة وبعد فشله فيها يفكر اليوم بشكل جدي بالهجرة للعمل في مجال اختصاصه أملاً بوضع مادي أفضل لنا.
وتؤكد إحدى المشاركات من دمشق على أن دول الخليج بحاجة إلى يد عاملة مؤهلة في كافة الاختصاصات نتيجة عدم توافر الخبرات اللازمة فيها، الأمر الذي يجعل الكثير من الشباب السوري يسافر للعمل فيها رغبة في الحصول على أجور مرتفعة.
وتعتقد أخرى من ريف دمشق الشباب السوري متنور ومتعلم ولديه طاقة وإخلاص في العمل لذا تسعى العديد من الدول لاجتذابهم عبر المنح الدراسية بهدف الاستفادة من طاقاتهم، الأمر الذي يجعل سورية الخاسر الأكبر نتيجة إهمال مثل هؤلاء.
وبدورهم ركز المشاركون من الأهالي وقادة الرأي وصناع القرار على العلاقة القائمة بين تفكير الشباب بالهجرة وضعف سوق العمل بصورة عامة، وأشار هؤلاء إلى أنه حتى في حال توافرت مثل هذه الفرص فإن المقابل المادي منخفض ولايتناسب مع مستلزمات الحياة ومتطلباتها إذ تحولت العديد من السلع التي لم يكن اقتناؤها حاجة ملحة بالنسبة للبعض إلى ضرورات حياتية تسعى الأسرة إلى توفيرها.
لتحقيق حلم الصورة الجميلة لنمط المعيشة
ومن الأمور التي يبدو أنها تلعب دوراً كبيراً في تفكير الشباب بالهجرة وفقاً للمشاركين الأفكار المسبقة التي ارتسمت لديهم من خلال معلومات قد تكون صحيحة أو مغلوطة وصلتهم عبر تجارب ناجحة لأقرباء وأصدقاء أو معارف أو عن طريق وسائل الاتصال المختلفة أو الاثنين معاً ولاشك في أن الشعور بالتفاؤل في الحصول على مايحلم به الشاب مهنياً وثقافياً واجتماعياً ونفسياً في حال أقدم على السفر والإقامة خارج حدود الوطن هو واحد من العوامل الأساسية التي تجعل بعض شبابنا يعيشون أحلام يقظة خاصة لأنهم يقضون الكثير من الأوقات منتظرين تغيراً ما في مسيرة حياتهم العملية والاجتماعية لكن الأمر الذي قد يحدث عندما يقدم الشباب على محاكاة تجارب غيرهم في الهجرة محاطين بأفكار جميلة وردية عن المستقبل هو أن يخالف الواقع الذي يجدونه كل التصورات المسبقة المتعلقة بإيجاد فرصة عمل مرضية خلال وقت قصير في بلد المهجر، فقد يعمل هؤلاء في مهن لاتتناسب مع مؤهلاتهم دون أن يفكروا بالعودة إلى بلدهم، انطلاقاً من فكرة عصفور باليد خير من عشرة على الشجرة، أو من شعور بالخجل مما قد يولده كلام المحيطين بهم حول التجربة التي قاموا بها، ولهذا يمكن أن تجد بعضهم يعاني كثيراً، بل ويتمنى لو أنه بقي في وطنه، ولم يفكر حتى في السفر خارج حدوده، ما يمكن أن يتسبب بالعديد من الاضطرابات النفسية - الاجتماعية لهؤلاء.
للحد من الهجرة...
اقترح المشاركون جملة من الآليات للحد من الهجرة كان أهمها:
1- التوزيع العادل للاستثمارات
2- وضع الشخص المناسب في المكان المناسب.
3- تحسين الوضع المعيشي للمواطن عبر زيادة الرواتب والأجور وتحسين شروط العمل.
4- الاعتماد على التخطيط الطويل المدى
5- مد يد العون للفلاح عبر المزيد من استصلاح الأراضي والتوسع في منح القروض بفوائد منخفضة.
6- تشريع كل مامن شأنه دعم عمل القطاع الخاص في البلد.
7- الكشف عن الخلل والتقصير ومحاسبة المقصرين أينما كانوا، والعمل باستمرار للحد من الواسطة والمحسوبيات والروتين.
8- تنظيم دخول اللاجئين إلى البلد.10- تفعيل دور التعليم المهني والتركيز على أهميته وربط حاجته بسوق العمل .
9- تخفيض قيمة الضرائب المفروضة على أصحاب المشاريع الصغيرة.
10- تطوير الريف وتحسين الخدمات فيه ووضع خطط شاملة من أجل تطوير المشاريع التنموية في المحافظات كافة.