تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مـن يوقــف شـرور أحفــاد «بروكوســت»؟..

ثقافة
الأحد 28-12-2014
هفاف ميهوب

يُذكرنا أشرار هذا الزمان, بأسطورةٍ يونانية قديمة بطلُها العملاق «بروكوست». قاطع الطريق الذي كان مُولعاً بالقياس,

والذي كان لديهِ سريرٌ حديديٌّ يضعهُ في الطريقِ من أجلِ أن يقيس عليهِ كلّ من كان يمرُّ أمامه, وبعد أن يقوم بتجريده من ثيابه, فإن كان الشخصُ أطول من السريرِ, قصَّ رجليهِ, وإن كان أقصر شدَّ رأسه ورجليهِ بحبال, ثمَّ مسَّد جسده حتى يساوي بينه وبين السرير, ودون أن يبالي إن تخلَّعت مفاصله أو نُزعت أطرافه أو حتى مات.‏

إنه حال أشرار هذا الزمان, ممن لايملكون من الأفكار إلا مايتبع أهواءهم, ولايصدِّقون إلا ماأَلِفهُ ضلالهم. فإن وجدوا من يوافق اعتقادهم تعصَّبوا له وتبنُّوه وإن خالفهم أنكروهُ وقتلوه.‏

لاشكَّ أن هؤلاء الأشرار أول ماتمثَّلوا بالدولِ العملاقة، تلك التي قامت ومُذ بدءِ شرورها, بطمسِ النور في أعين وبصائر كل من جرجرتهم بظلامِ سعيها, ومن أجل محاربة الحق والحقيقة..كل من غسلت أدمغتهم أواستغلت أفكارهم الجامدة والقاسية, قسوة عقل «بروكوست»الذي كان يرى بأن قياسات سريره الحديدي, هي وحدها العادلة والدقيقة.‏

حتماً, لايملك هؤلاء من حكمةِ العقل, مايجعلهم يتقبَّلون الحاضر بما فيه من مرونة يحكمها المنطق لا الغريزة. الغريزة التي تحكمهم برذائلٍ تضلل الوعي لديهم, وبطريقةٍ يهيمن فيها باطلهم وجهلهم على كلِّ منطقٍ للفكر.‏

للأسف,لقد بات أشباه «بروكوست» في زماننا هذا, أكثر شروراً وتنوعاً وظهوراً, فمنهم صاحب العقل المتلبّد الذي لايتقبَّل أي تطور بعيداً عما ألفهُ فقلَّده,ومنهم من يتظاهر بالفهمِ والمعرفة دون أن يحرِّر عقله مما اتَّبعه لاأبدعهُ, وهو في ذلك لايختلف عن الأول في رجعيَّته وعماء بصره وبصيرته.أيضاً,هناك من يريد أن يسخِّر الآخرين لإرادتهُ غير العادلة ولأفكاره المنقادة. حيث مصالحهُ ومصالح من جنَّده لخدمة أجندتهُ وسياسته.‏

من هنا,وبعد ماشهدناه من اقترفات أشرار هذا الزمان, لابدَّ لنا من التساؤل: ياترى لو ارتدَّ «بروكوست» حيَّاً, ألن يُصعق من اقترفاتِ أحفاده التي فاقتْ في فظاعتها وبشاعتها, مااقترفهُ إلى أن باتَ أسطورة الشرورِ عبرَ الدهور؟..‏

حتماً سيُصعق, ليقوم بعدها بتذكيرهم, بأن نهايتهم لن تكون أقل رأفة من نهايته. تلك التي تحتاج إلى بطلٍ يحملُ من العدلِ والخير والخلاصِ للناس, ماحملهُ بطلُ الأسطورة «تيزه» الذي انتصر على «بروكوست» وعندما قاسَ عليهِ كما كان يقيسُ على الناس, وبوضعهِ على سريرٍ وتقييده بالحديد ومن ثمَّ بشدِّ جسده إلى السرير, وإلى أن قُطعت رجليهِ ومات, وارتاحت البشرية منه ومن شروره.‏

إذاً, مثلما لكلِّ زمانٍ أشراره, لكلِّ زمانٍ أبطاله.. مثلما في كلِّ زمانٍ ظلم, في كلِّ زمانٍ عدل. فما أحوجنا في هذا الزمان إلى مثل ذاك البطل.. ما أحوجنا إليه يحطّم مقاييس أحفاد «بروكوست» ويخلصنا من شرورهم وآثامهم وأحقادهم وجهلهم وسوى ذلك من الاقترافاتِ البشعة لإجرامهم.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية