تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الحقيقة الأميركية الملتبسة

إضاءات
الأحد 28-12-2014
سلوى خليل الأمين

حين بدأت تباشير ما سمي بالربيع العربي، الذي خططت له الولايات المتحدة الأميركية، بالتنسيق والتعاون مع الصهيونية العالمية، المعششة في دوائر القرار في واشنطن،

لم تكن حسابات النتائج المرجوة دقيقة، بدليل أن مجريات الأحداث لم تكن لمصلحتهم، بالرغم من تشاطرهم وتذاكيهم في وضع الخطط الجهنمية، الممنهجة على استعباد الشعوب وسرقة ثرواتهم الطبيعية، التي أفرزتها عقولهم المنشغلة بشكل دائم بتقسيم العالم، مناطق نفوذ لهم، وهناءة لشعبهم الأميركي المرتاح لقوة وطنه الضاربة معرفياً وعسكرياً واقتصادياً والتي أصبحت مطمح كل إنسان يحلم بالحياة الآمنة المستقرة والهنية.‏

إلا أن الخطط الأميركية أثبتت فشلها في أفغانستان، وبعدها في العراق، الذي تمت استباحة أراضيه، وقتل علمائه، ونهب متاحفه، وتدمير تراثه التاريخي، ونهب ثروته البترولية، وتهجير مسيحييه والعديد من سكانه، لكن بالرغم من كل هذا، لم يتمكنوا من إخضاع الشعب العراقي بهدف إدخاله في الحضن الأميركي، كما هي دول الخليج العربي، المستباحة من قبلهم، عبر قواعد عسكرية أميركية، تهيمن على منافذ الخليج العربي، والغاية معروفة والهدف مقروء من كل متابع.‏

إضافة إلى أنهم حاولوا السيطرة على الثورة التونسية، فساعدوا على إزاحة الرئيس زين العابدين بن علي، وأرسلوه إلى المملكة العربية السعودية أسير واقع، وغضوا النظر عن وضع الرئيس حسني مبارك في السجن ومحاكمته بشكل هزلي، أدى إلى تبرئته فيما بعد، وبشروطهم المدروسة،وقبلها تم اعتقال الرئيس العراقي صدام حسين وإعدامه، وصولاً إلى قتل الرئيس الليبي معمر القذافي، وتهديد الرئيس السوداني عمر البشير بتحويله على المحكمة الدولية في حال عدم الخضوع لشروطهم المفبركة التي آلت فيما بعد إلى تقسيم السودان بين شمال وجنوب، كل هذه الأفعال المتسلطة أرادوا تنفيذها في سورية، التي عرفت معنى الصمود والتصدي لهم ولخزعبلاتهم الشيطانية.‏

لقد تم توثيق ما سمي الربيع العربي بثورة البوعزيزي في تونس، في حين إن الواقع مختلف تماماً، فالاتفاقيات كتبت على الورق بينهم وبين جماعة الإخوان المسلمين مسبقاً، من أجل خلخلة الوضع الداخلي لهذه الدول، بالرغم من تبعية الحكام لهم، الذين انتهى دورهم عبر عقد حلف جديد مع جماعة الإخوان المسلمين الذين ثبت فشلهم في قيادة مصر وتونس وليبيا التي لم تستقر لتاريخه.‏

أما في سورية فالواقع المأزوم منذ أربع سنوات ما زال يشير إلى إفشال مخططاتهم العنكبوتية الخطيرة بالرغم من كل الدمار والخراب والتهجير الذي أصاب البشر والحجر فيها. لهذا كان لا بد من تغيير المخططات، عبر إعادة رسم المشهد من جديد في دوائر القرار الأميركي، في حين إن المحاولات كلها لإخضاع سورية باءت بالفشل، فالمعارضة الوهمية لم تستطع الصمود لأنها هشة من الداخل ومأجورة «وليس الحبلى كالمستأجرة»، إضافة إلى تشرذم العصابات الإرهابية التي تم تدريبها في سجونهم ودول الجوار أي في الأردن وتركيا، ومدها بالسلاح الحديث والمال الخليجي، إلا أن حساب الحقل لم ينطبق على حساب البيدر كما يقال، لهذا فهم اليوم يعضون الأصابع على خطأهم بدعم معارضة مهترئة، ومسلحين مرتزقة لم يستطيعوا لتاريخه سوى العويل والذبح والقتل والتدمير العشوائي، وزرع الفتن الطائفية والمذهبية التكفيرية الداعشية، التي لم تتمكن قوى التحالف، التي أنشأتها أميركا مؤخراً من ضربهم والقضاء عليهم كما ادعت، لهذا فهم اليوم على قناعة أن سورية هي الرقم الصعب العصي على الإذعان، القادرة على مواصلة الصمود والتصدي لمؤامراتهم، وأن استفحال الإرهاب بات سيفاً مسلطاً على بلادهم.‏

إذا المسألة معقدة، والقناعة أصبحت تامة بوجوب الخروج من المأزق السوري، بعد فشل جنيف 1و 2 إضافة إلى مبعوثي الأمم المتحدة، وثبات سورية على قناعاتها في السيادة والاستقلال الذي لا يمكن أن يباع في سوق النخاسة والبازار الأميركي.‏

أين الحقيقة المستقبلية، بل ما هو شكلها ومضمونها؟ من يزور موطن القرار في واشنطن، يستطيع بسهولة عبر بعض المعارف من مسؤولي الإدارة الأميركية، أن يعلم أن تغيير المخططات عندهم قابلة للدرس لأنهم يملكون قابلية التفاوض مع الخصم مجدداً بصورة إيجابية، فهذه الدولة التي ترعب العالم، والكل يخاف مجابهتها، تستطيع تغيير رؤاها وحلفائها بسرعة، حيث المهم المصلحة الأميركية العليا، وهذا ما يبدو حالياً لجهة التوافق مع روسيا بخصوص الحل السياسي في سورية، الذي يراه البعض ملتبساً.‏

الحقيقة مختلفة تماماً، لأن السلطة الأميركية بكامل كوادرها المسؤولة، إن في البنتاغون الذي له الكلمة الفصل، أو في كواليس البيت الأبيض، أو وزارة الخارجية، أو الكونغرس، أصبح لديها اليوم قناعة تامة أنه من المستحيل القضاء على الجيش السوري أو شرذمته، ودونه لا قضاء على عصابات داعش الإرهابية، فهذا الجيش أثبت كفاءة عالية في مكافحة العصابات الإرهابية والتصدي لها، ناتجة عن عقيدة وطنية قتالية متمكنة، إضافة إلى ثبات القيادة، وحكمتها العقلانية في معالجة ومتابعة مجريات الأمور، ما أصبح من المستحيل التفكير بإزاحة الرئيس بشار الأسد أو المطالبة بتنحيه، وهي العالمة بالتفاف معظم شعبه حوله الذي جدد له الولاية بشرعية تامة، بالإضافة إلى جيشه الصلب والكادر الديبلوماسي الذي لتاريخه لم ينهار وبقي متماسكاً ومؤيداً للدولة الأم، بالرغم من سحب معظم الدول الغربية وبعض الدول العربية سفرائهم من سورية.‏

سألني أحدهم في واشنطن خلال زيارتي لها في الصيف المنصرم: من تتوقعين أن يكون رئيساً للجمهورية في لبنان، أجبت على الفور : الجنرال ميشال عون، وأنتم تعرفون خصاله وهو قائد عسكري متمسك بالقيم الوطنية ومخلص لوطنه لبنان، أجابني السائل: هذا صحيح، بصراحة حاولنا أن نجد له مثيلاً بين حلفائنا في بلدكم فلم نجد، هو بحق كفوء لرئاسة الجمهورية ونحن نريد لبنان موحداً، خصوصاً وأن هذا البلد سيصبح دولة نفطية، ونحن نتطلع إلى هذا الأمر. قلت وماذا بخصوص سورية؟ قال: الإدارة عندنا باتت على قناعة تامة أن فشل الإخوان المسلمين في مصر وتونس وضياع ليبيا وبهتان الربيع العربي المعطوف على تمدد داعش والإرهاب الخطير في العراق وسورية، يجعلنا نرى أنه لا بديل عن الرئيس الأسد العلماني في توجهاته، والحريص على بقاء المسيحيين في بلده وعدم تهجيرهم، ألم تسمعي ما قاله الرئيس أوباما لوفد المطارنة المشرقيين حين زاروه في البيت الأبيض معترضين على تهجير مسيحيي العراق وأماكن وجود داعش في سورية: «الرئيس بشار الأسد لم يهجر المسيحيين»، أليس هذا اعترافاً صريحاً بقوة صمود سورية ورئيسها؟ أجبته: ترى هل ستلحظون هذه الحقيقة ضمن مخططاتكم المستقبلية، خصوصاً وأن هزيمتكم في سورية لن تستطيعوا تحملها، لأنها ستذلكم إلى الأبد، كما حدث للجيش الإسرائيلي خلال حرب تموز 2006 على يد المقاومة في لبنان.‏

انتهى الحديث بتوافق تام في الرؤية، بينت لي أن الأميركان يجهلون أحياناً أموراً كثيرة، خصوصاً حين حلق الطيران الأميركي فوق السعودية، وكاد أن يضرب أراضيها وهو يظن أنه فوق العراق، شارحاً عملية خرائط الحدود وعدم علمهم بخطوطها الجديدة المرسلة إلى الأمم المتحدة، الحكاية كانت عملية معقدة جداً، أدهشتني، وحين رأى ما أنا عليه من شك بكلامه، قال : نحن نخطئ أيضاً، لا تظنوا أننا سحرة، وكثيراً ما تلتبس الحقيقة علينا.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية