لاسيما تلك الملفات الخلافية المتدحرجة التي طبعت جلسات الحوار التي استمرت نحو عشرة أيام وفي مقدمتها ملف محاربة الإرهاب الذي رفض وفد المعارضة مناقشته والخوض فيه.
وبرغم وجود بعض النقاط المشتركة التي دفعت معظم الأطراف بما فيهم المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسون للحديث عن(إيجابية الأجواء)،إلا أن المعطى الأبرز الذي أظهرته جلسات الحوار كان تمسّك وفد ما سمي بالمعارضة بالغرق في هوس تفاصيل التغيير إلى درجة الهستيريا، لاسيما وأن ذلك الوفد جاء على خلفية ووضع دستور يناسب رغبات الدول التي يتبع لها، ويكون على مقاس طموحاتهم ورغباتهم ونزواتهم في الوصول إلى السلطة بأي شكل من الأشكال حتى لو كان ذلك على حساب ذبح الشعب السوري وتدمير وحدة الوطن واستباحة واحتلال أراضيه من قبل الإرهاب والغزاة والطامعين، ولعل هذا الاعتقاد الخاطئ الذي زرعته الدول والأنظمة الداعمة للإرهاب في عقول أولئك الذين يطلقون على أنفسهم معارضة منهم هو الذي كان يتسبّب في كل مرة في إخفاق وإجهاض جولات الحوار السابقة نتيجة جرعات الغرور الزائدة التي كانوا وما زالوا يأخذونها من قبل تلك الدول والأنظمة التي تحركهم وتأمرهم.
ضمن هذا السياق يمكن القول وبعيداً عن الأجواء الإيجابية التي لم تضف كما كان متوقعاً أي نكهة مميزة لاجتماعات اللجنة الدستورية، إنه لا تزال هناك هوة شاسعة لا تزال بين الوفد المدعوم من الحكومة السورية والوفد المقابل، خاصة لجهة التباين الواضح في الأهداف والدوافع والخلفيات، لاسيما تلك القاعدة الوطنية الصلبة التي يستند إليها الوفد المدعوم من الحكومة السورية والتي تحكم وتؤطر محاوره وبرنامج عمله وسلوكه بشكل عام سواء من الناحية الأخلاقية أم من الناحية السياسية والدستورية، والتي ميّزته عن الوفد المقابل الذي غابت عنه هذه القاعدة كونه استبدلها بقاعدة متصدّعة ومحكوم عليها بالانهيار، قاعدة أهم ركائزها الرهان على الأجنبي لضرب الوطن والعبث بكل عناوينه التاريخية والمستقبلية .
الأيام العشرة القادمة التي تفصلنا عن جولة جديدة من الحوار، سوف تكون مهمة وحاسمة، لجهة التأكد من حقيقة نوايا الأطراف المقابلة على طاولة الحوار، خاصة أولئك المدعومين من النظامين السعودي والتركي وأنظمة الخليج بشكل عام، حيث من المقرر أن تنقل تلك الأطراف ما أفضت إليه الجولة الأولى إلى الدول التي تشرف بشكل مباشر على دعمها ورعايتها وتمويلها وتغذية أحلامها وطموحاتها، ليس هذا فحسب بل من المفترض منها رسم ووضع عناوين ومحاور الجولة الثانية بما يؤدي إلى تقدّم إيجابي حقيقي في جولات الحوار، أي إنه يتوجّب على ما يسمى بالوفد المعارض أن يضع خطة عمل أسّها وأساسها الثوابت الوطنية السورية التي يستحيل تجاهلها أو تجاوزها أو الحيد عنها قيد أنملة تحت أي ظرف من الظروف، وإلا سيكون الأمر مجرد قضم للزمن وتضييع للوقت بهدف محاولة الإبقاء على حالة الفوضى والإرهاب لأسباب وأهداف باتت معروفة للجميع.
وبين (الإيجابية) التي تحدّث عنها بيدرسون وحالة عدم الرضا التي طبعت جلسات الحوار، يبقى مسار المحادثات أسيراً لنوايا تلك الأطراف التي حاولت إجهاض النوايا الطيبة للوفد المدعوم من الحكومة السورية الذي حاول خلق أرضية وطنية مشتركة للحوار بين أعضاء اللجنة وإحراز تقدّم فعلي في عملها عندما طرح ورقة - اللا ورقة - ملف محاربة الإرهاب، التي سارع الى رفضها بشكل كلي وفد ما تسمى «المعارضة» متذرعاً بأنها عبارة عن بيان، رغم أن الوفد الوطني طرحها بصيغة اللاورقة لتخضع للنقاش، ما يؤكد أن وفد الطرف الآخر مازال مصرّاً على عدم مناقشة أي بند يتعلق بمكافحة الإرهاب وإدانة داعميه، ذلك أن الـ «لا ورقة» تضمّنت إدانة جميع الأعمال الإرهابية التي ارتكبتها وترتكبها كل التنظيمات الإرهابية في سورية وعلى وجه الخصوص «داعش» و«جبهة النصرة» كما تؤكّد ضرورة إعادة بسط سلطة الدولة على كامل أراضي الجمهورية العربية السورية وإعادة مؤسسات الدولة إلى كل المناطق كي تقدم الخدمات للمواطنين، كما تدعو الـ «لا ورقة» إلى تكاتف جهود أبناء الشعب السوري كافة للعمل على استكمال محاربة «داعش» و»النصرة» وباقي التنظيمات الإرهابية في سورية إضافة إلى التأكيد على أهمية رفض الفكر المتطرف واستئصاله وضرورة تكريس مبدأ مكافحة الإرهاب نصاً وروحاً في مشروع الإصلاح الدستوري، وصوغ مواد دستورية تضمن ذلك مع التأكيد على أن مكافحة الإرهاب تكفل أحد أهم الحقوق الأساسية للسوريين وهو الحق في الحياة والتمتع بالأمن والأمان.
الـ «لا ورقة» تضمّنت أيضاً دعوة لأعضاء اللجنة إلى مطالبة جميع الدول والأطراف بالالتزام بعدم دعم الإرهاب والتأكيد على ضرورة العمل على تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بمكافحة الإرهاب .
حالة الرفض من قبل وفد ما يسمى بالمعارضة لم تقتصر على بند محاربة الإرهاب فحسب، رغم أنه يشكل أرضية وطنية مشتركة للحوار، بل طالت مسائل وطنية وعروبية وجوهرية كبرى تؤكد على سيادة القانون والمساءلة وهذا ما يؤكد، بأن الوفد المقابل لا يزال أسيراً لرغبات وطموحات الدول والأنظمة الداعمة له، ما يعني أن النوايا الحقيقية هي التي سوف تشكل بوصلة العمل خلال جولات الحوار القادمة .