هذه حال سورية منذ ما يقارب نصف قرن من الزمن, لم تكن ذكرى التصحيح التي نحتفي بها إلا فعلا خلاقا كل يوم, لم تكن عادية, ولاعابرة,ولا هي مجرد تاريخ ننتظره كل عام ليكون محطة نطل من خلالها على ما تحقق, هي فعل حياتي يومي, نقطف ثماره كل ساعة, وليس القطف نزهة عادية في بستان تفاح, أو أي لون من الثمار, إنه درب طويل وشاق, لم نصل إليه بالأمر السهل والهين أبدا, فثمة من يتربص بنا ويعيث فسادا وتخريبا, لايريد لمسيرة البناء هذه أن تظل قادرة على المتابعة والبذل, فحيكت المؤامرات ضدها, وهذا أمر طبيعي عندما تكون كدولة ومجتمع قادرا على قض مضجع عدوك, وإنهاكه بمخططاته, وتعريته, وهذا ما فعلته سورية من خلال مسيرة التصحيح التي قادها الرئيس المؤسس حافظ الاسد, وتابع مسيرة تطويرها وتجديدها السيد الرئيس بشار الأسد.
اليوم وبعد تسعة وأربعين عاما على التصحيح, نعيش ثماره قولا وفعلا, وقدرة على المواجهة, لسنا نحتفي كما أسلفنا بذكرى, إنما نحن في محطة من دأبنا وعملنا, ومن حقنا, بل من الواجب علينا أن نرفع الصوت عاليا, ليسمع من به صمم أننا المنتصرون, المتجذرون, أننا من وهب العالم معنى وجوده الآن, وإننا القادرون على البذل والتضحية لأننا أبناء الحياة التي تعرف معناها ومبتغاها, وترفض الذل والخنوع, ولا تترك الحقوق مسلوبة,لهذا كله, نرى هذه الحرب المجنونة علينا, نراها على البشر والحجر, والتاريخ والمقدرات كلها, سورية بؤرة الضوء والعطاء الحضاري, مستهدفة بكل ما فيها.
لكن ذلك لم ولن يتحقق, ولن يصل إليه الإرهاب والأعداء, لأن البناء راسخ في الفكر والعقل والتربية والثقافة, ولن نمل من إعادة القول: (لقد أدرك القائد الخالد حافظ الأسد أن بناء الانسان هو غاية وهدف ومنطلق، والبناء ليس من فراغ، ولا إلى فراغ ابدا، بل من أجل أن يتخذ كل منا موقعه ودوره وأن يكون جنديا فاعلا في مسيرة البناء التي لايمكن أن تتوقف عند مرحلة ما ولايمكن أن تكون لجانب دون آخر في حياتنا، عملية كلية متكاملة، تبني الانسان الكامل، القادر على تحمل مسؤولياته الوطنية والقومية، والمؤمن دائما وأبدا بقضاياه العادلة).
ولهذا فإننا حين نستعرض مراحل في مسيرة البناء هذه، فإنما نحن نستعرض مسيرة بناء أنفسنا، ومقدراتنا, وثقافتنا، يومنا وغدنا، نستعرض إنجازاتنا الفكرية والمعرفية، واستعادة دورنا السياسي والحضاري، بمعنى آخر مختصر، إنها سورية المعاصرة, والسوري المعاصر, الذي نشأ على قيم الحب والخير والعطاء، والقدرة على الإنجاز، بغض النظر عما تراه الان من كوارث تحل بنا من كل حدب وصوب.
هذا الثراء في البناء ومسيرة الانجازات حول سورية من دولة في مهب العاصفة إلى أن تكون دولة فاعلة، قادرة استعادة امجاد عريقة وجعلتها طريقا الى الغد، لم تبق الدولة المنغلقة المتقوقعة على ذاتها ابدا، وخلال فترة قصيرة من الزمن استطعنا ان نعيد الألق إلى الدور الريادي والحضاري للانسان العربي، فكانت حرب تشرين التحريرية التي هي أولا وأخيرا فعل وإنجاز معرفي وحضاري لسورية ومعها العرب، نقول إنجازاً معرفياً بكل الدلالات والمعاني التي تعني أنك قادر على خوض حرب ضروس بمختلف الأسلحة وتواجه أعتى قوى الشر، والجندي العربي السوري أثبت جدارته في استخدام أعقد أنواع السلاح، ناهيك عن الخلفية الاجتماعية التي ترسخت لتكون الحرب منطلقا فاعلا لتحرير نزعة الهيمنة الصهيونية، ولتكسر حاجز الرهبة, وتغسل ما سمي ذل الهزيمة التي ذاقها العرب في حزيران، على هذا الاساس كانت حرب تشرين التحريرية، أساسا متينا لبناء جيل المقاومة المؤمنة بالانسان والأرض وتحقيق الأهداف.
سورية التي غيرت العالم كله, أعطته معنى أن يكون قادرا على قول: لا, بوجه الظلم والعدوان, سورية لا تعرف الهزيمة, ولايمكن أن تقترب من تفكير احد من أبنائها, دائما شعارها, البناء والنصر, وقد تحقق ذلك وديمومته مستمرة, أغلقوا البر والبحر والسماء بوجهنا لكنهم فشلوا باؤوا بالخذلان, وانتصرت سورية لأن إنسانها المؤمن بها برسالتها, يعي غاياته ونبل المقاصد, ولأن القائد المؤسس أنجز ما وعد, واليوم يستمر النهج متجددا, مؤمنا أن النصر دائما حليف سورية.