وكانت الأهداف التي طرحها الحزب ونعني بها الوحدة والحرية والاشتراكية تلك المنارة المتوهجة التي شدت الأبصار الى أفكار ومبادىء حزب البعث، في فترة عصيبة كانت الأمة العربية خلالها تجتاز أمواجاً مظلمة من الصراع مع مخلفات الاستعمار الغربي الذي جثم على صدرها حيناً من الزمن، ومواجهة الأحلاف الغربية التي برزت معسكراً معادياً لفكرة الوحدة العربية معاداة سافرة وقحة، ناهيك عن الجرح الذي كان وما زال نازفاً في صدر الأمة يوم أقدم الاستعمار على زرع الكيان الصهيوني في فلسطين خنجراً مسموماً يسعى جاهداً لتقطيع أوصال الأمة وإشغالها بتضميد جراحها، وصرفها عن الانطلاق في درب البناء والتنمية وإثبات الذات في عالم اليوم.
لقد كانت الأهداف حلماً راود مخيلة المواطن العربي، فأخذ يرسم صورة الغد الذي آمن أنه سيكون مشرقاً إذا تمكن حزب البعث من قيادة سفينة الأمة العربية والرسو بها على شاطىء أمين تجد فيه تلك الأهداف التربة المناسبة للتفتح والازدهار.
راح يحلم برؤية الأقطار العربية منضوية تحت راية دولة واحدة قوية هي الدولة العربية، وتصور حجم الرخاء الاقتصادي الذي سيتقلب في جنباته إذا قام النظام الاشتراكي على أرض الواقع واقعاً عملياً لا طرحاً نظرياً فحسب، وتصور المدى الرحيب الذي ستحلق فيه الأفكار في فضاء الحرية التي كانت وما زالت هدفاً تتمنى الانسانية تحقيقه في هذا العالم الذي يئن تحت وطأة الظلم وخنق الحريات وغياب العدالة.
وخطا الحزب خطوة غاية في الأهمية في طريق ترسيخ حضوره في عقول وقلوب الجماهير العربية عندما قدم الدليل الحي على أنه حركة جماهيرية حيّة تقرن القول بالفعل، وقبل بحل نفسه ليفسح المجال لشمس الوحدة العربية الأولى التي تحققت بين سورية ومصر عام 1958 بالتألق في كبد السماء.
لكن شمس الوحدة لم تتوهج إلا زمناً قصيراً، وسارع الانفصال المؤلم ليسدد لها الطعنات الموجعة، وإذا بالجماهير العربية تجد نفسها مضطرة لتشييع حلم جميل تمنت صادقة لو أنه أطال المقام بينها.
أمام ذلك الواقع لم يجد حزب البعث بداً من الأخذ بزمام المبادرة ليعيد الى تلك الجماهير الثقة بالنفس، وكان لتلك الجماهير موعد مع استعادة الثقة يوم الثامن من آذار عام 1963 عندما وضع الحزب حداً لحالة الفوضى التي وسمت الحياة السياسية في سورية بطابعها، وقدم الحزب نفسه قائداً للدولة والمجتمع استجابة لرغبة الجماهير.
على أن المنعطف الأهم في تاريخ الحزب كان بقيام الحركة التصحيحية المباركة التي قادها القائد الراحل حافظ الأسد في السادس عشر من تشرين الثاني عام 1970، تلك الحركة التي ردت الحزب الى مساره الصحيح، وكانت مقدمة لتاريخ من الانجازات التي ما زالت سورية تنعم بثمارها الناضجة حتى أيامنها هذه.
ولن تغيب عن ذاكرة الجماهير في سورية انتصارات حرب تشرين التحريرية، ومواكب البنية التحتية التي انطلقت في حركة متتابعة الى الأمام في ظل استقرار سياسي منقطع النظير، ونجاح القائد الراحل حافظ الأسد في بناء وحدة وطنية متماسكة جعلت سورية محط احترام القاصي والداني، يضاف الى ذلك رفد حزب البعث العربي الاشتراكي بمصادر فكرية غزيرة كان في أمس الحاجة إليها ليمتلك القدرة على التجدد والاستمرار، وتمثلت هذه المصادر في خطب وكلمات وتصريحات القائد الراحل، وحتى يومنا يجد الحزب فيها زاداً فكرياً قيّماً، وقد كانت هذه المصادر دليلاً على قدرة الحزب على تجديد نفسه والتمتع بشباب فكري نضر.
وبعد رحيل القائد الكبير حافظ الأسد توجس محبو الحزب الحريصون عليه خيفة من حدوث فراغ لا يمكن سده بسهولة، ولم يطل انتظار المحبين ومعهم الجماهير العربية داخل وخارج سورية، فقد أطل الفارس النبيل السيد الرئيس بشار الأسد معلناً استمرار مسيرة الخير والعطاء، واختارته الجماهير بكل عفوية رباناً أميناً للسفينة آلى على نفسه أن يمخر بها عباب الصعاب ليستقر بها على شاطىء الأمان، وكان القائد الصادق الذي وعد فوفى.
وسطع في سورية عنوان جديد حروفه الواضحة الفعل بعيداً عن القول، والعمل الذي يدل على نتائجه الايجابية من خلال وضعها على أرض الواقع ليلمسها الجميع بدلاً من الإشارة إليها قبل أن تحط على الأرض، وفي كل مكان من رحاب الوطن الطيب سورية لم تعتر المواطنين الدهشة عندما كانوا يشاهدون السيد الرئيس بشار الأسد بينهم فرداً كريماً من الأسرة السورية الكبيرة، يقتربون منه ويتبادلون معه الأحاديث النابعة من القلب لتصب في القلب، ويعودون وهم أكثر إيماناً بمستقبل سورية المشرق الذي سيكون أندى إشراقاً بقيادة رجل حمل قيم الشهامة والنبل، ووضع لوطنه مشروعاً نهضوياً كبيراً التمس له كل أسباب ومقومات النجاح، وها هي الأيام تمضي والمشروع الحلم يكبر كما كبر الوطن بقائده وكما كبر القائد بوطنه.
والحقيقة المشرفة أن كلمات السيد الرئيس وممارسته العملية والتصاقه بأبناء شعبه شكلت معيناً فكرياً كان السبب المباشر في تدفق دم جديد في عروق الحزب، في زمن هبّت فيه رياح التغيير عاصفة عاتية وقلبت أمور العالم رأساً على عقب.
ومحبو الحزب يتمنون صادقين أن يتمثل كل منتسب إليه سلوك وقيم السيد الرئيس بشار الأسد الذي اختير قائداً لمسيرة الحزب والشعب، ليظل الحزب ممتلكاً تلك الجاذبية، وليكون مستحقاً حمل راية قيادة الدولة والمجتمع، لأن وجود الربان الأمين السيد الرئيس بشار الأسد في موقع قيادة السفينة هو الضمانة الوحيدة ليظل ينبوع الحزب متجدداً فكراً قادراً على مواكبة العصر والانتقال فيه من نجاح إلى آخر متسلحاً بمحبة الجماهير وإيمانها بقائدها النبيل.