السؤال المطروح اليوم: ماذا يعني فعلاً قيام دولتين«إسرائيلية» وفلسطينية ، بمنظار المتطرفين المتزمتين؟
الدولتان إنما تعنيان دولة عربية في الضفة والقطاع ، وهي الدولة الفلسطينية المزمع اقامتها وسكانها جميعهم من الفلسطينيين ودولة مختلطة هي «إسرائيل» الحالية ، وسكانها من اليهود ومن عرب 1948، وهي الدولة التي يتوقع الإسرائيليون اليهود أن تتحول حكماً وتدرجاً إلى دولة يغلب عليها الطابع العربي ، وهو الذي يشكل اليوم أكثر من 20 بالمئة من عدد السكان ، ولسوف يصبح بعد حوالي 25 سنة الطابع الغالب قطعاً بفعل ارتفاع معدل النمو السكاني العربي وتراجع هذا المعّدل لدى اليهود عموماً، وهذا مايسميه المتطرفون الصهاينة «القنبلة الديمغرافية» والذي حملهم منذ عقود على السعي إلى تنفيذ ماأسموه « الترانسفير» لعرب 1948، أي اقتلاعهم من داخل«إسرائيل».
الإسرائيليون بغالبيتهم باتوا يتملكهم الخوف من حتمية الغرق في هذا الطوفان الديمغرافي الفلسطيني وبالتالي ، لسوف تظل «إسرائيل» متمسكة برفضها حل الدولتين ، وبالسعي دائماً وأبداً إلى ضم الضفة الغربية لإسرائيل الحالية ، ففي أي مكان إذن سوف تقوم الدولة الفلسطينية المفترضة ؟ هل يعقل أن تقوم في نظر الصهاينة ، على أرض «إسرائيل» ذاتها؟!
هذا مايلقي ضوءاً اضافياً على حقيقة التشبث الإسرائيلي بالمستوطنات وتوسيعها وبناء المزيد منها على أراضي الضفة الغربية كافة، وهو ماينفذه نتنياهوحرفياً بمواقفة وسياسته ، وبصراحة تعبيره عنها عملاً وقولاً .
بعد هذا كله إذا به نتنياهو يتكرم بدعوة الفلسطينيين إلى المباشرة بالمفاوضات ، ولكن من دون شروط مسبقة على حد قوله، فعلام ستدور إذن هذه المفاوضات مادام قد حدد لها نتائجها وخواتيمها قبل أن تبدأ؟
نتنياهو - وليس الفلسطينيون - هو من يضع الشروط، بل يتابع تنفيذ جوهرها وتفاصيلها على الأرض ثم يدعو الفلسطينيين للمصادقة عليها أي على سياسة قتل أنفسهم وقضيتهم بأنفسهم.
إنها ليست دعوة الفلسطينيين للمشاركة في مفاوضات ، بل هي ورقة جلب لهم لإعلان موافقتهم الصريحة على التخلي التام عن أبسط عناوين قضيتهم العادلة وحقوقهم المشروعة، إنها دعوة للفلسطينيين إلى الاستسلام الكامل الناجز، وقبولهم بالفتات الذي يعرضه عليهم نتنياهو ألاّ وهو« السلام الاقتصادي» أي مجرد كسرة خبز تجعلهم على قيد الحياة ولو إلى حين .
علام يقوم حقاً وصراحة هذا الجبروت الذي يطبع سياسة نتنياهو؟
إنه يستند بخاصة إلى سلام بالغ الفعالية ألا وهو انعدام مواجهة حقيقية تعترض سبيله ، وهي المواجهة التي لايمكنها إلا أن تكون عربية بدءاً ومن حيث الأساس، فما دمنا مكتوفي الأيدي ننشد الغيث من صلاة استسقاء الآخرين ،فعبثاً نرتجي نزوله ، لن تقوم قائمة حقيقة لأي دور ، ولالأي سعي آخر، إذا لم يستند إلى حضور الدور العربي المفقود .
التهويد يتغذى ويستقوي بغياب هذا الدور ، إذما الذي فعله العرب و الفلسطينيون في مواجهة جموح التطرف الصهيوني منذ اتفاق أوسلو عام 1993 وحتى اليوم ؟ لقد اندفعوا في سلسلة من المفاوضات التي بدأت مع حكومة اسحاق رابين مروراً بأرئيل شارون وايهود باراك وأولمرت انتهاء بحكومة نتنياهو الحالية التي اعلنت رفض ازالة المستوطنات أو حتى تجميدها بل المضي في بناء المزيد منها وتوسيعها ، بما في ذلك تهويد القدس بكل أشكال العنف والتنكيل والطرد واحتلال البيوت ، والإصرار على الطابع اليهودي لدولة «اسرائيل» ناهيك عن اعلان رفضه لحق العودة بصورة مطلقة.إذن واحد وعشرون عاماً من المفاوضات العقيمة لم تقدم شيئاً على الإطلاق للفلسطينيين ، لابل أسقطت حتى اتفاق أوسلو. وكانت هذه المفاوضات مجرد أداة بيد إسرائيل انتهزتها لتزرع أرجاء الضفة الغربية والقدس بالمئات والمئات من المستوطنات ، بحيث يغدو من المستحيل على أي مفاوضات لاحقة، حتى لو كانت جدية أن تصل إلى أي نتيجة ، وهذا ما يكرسه نتنياهو اليوم بفرض شروطه التي تحرم الفلسطينيين من أي حق من حقوقهم .
أما العرب وعلى المستوى الرسمي بخاصة، فاقتصرت جهودهم ، في تلك الأثناء ، على انتظار النتائج من مفاوضات شاءتها «إسرائيل» أن تستمر صورية وحسب من دون أي نتائج، ولقد انتهى الأمر بالدول العربية إلى حد التخلي حتى عن أبسط مظاهر الاهتمام التي كانوا يبدونها سابقاً . ولكم يحز في النفس أن ينزلق الفلسطينيون بدورهم أو أن يستدرجوا للوقوع في أحابيل «اسرائيل».
ثمة في العالم وقفة واضحة المعالم ، مقدامة ، ضد سياسة قادة «اسرائيل»المتزمتة والتطرف الصهيوني ، في حين أن السياق العربي ليس غير التخليً.
أما وأن الساحة تخلى عملياً أمام جموح التطرف الصهيوني المتشدد ، فإنه يخشى حقيقة أن تقدم حكومة «اسرائيل»الحالية على افتعال ظروف وأجواء تسرع شن الاعتداء سلفاً على الحرم الشريف والمسجد الأقصى في غمرة حملتها العسكرية التنكيلية المستمرة التي ما انفكت تتابعها أصلاِ داخل المسجد الأقصى ذاته وفي ما حوله.
على العرب جميعاً وعلى المسلمين في سائر بلدانهم ، وعلى المسيحيين قاطبةأن يدركوا أن انقاذ المسجد الأقصى من المخطط الجهنمي إنما الآن وقته ، وليس فيما بعد . على الجميع أن يدركوا بأنه كلما أحرز التطرف الصهيوني و«اسرائيل» المزيد من النجاح والتقدم في سياسته الإجهاز الكامل على الشعب الفلسطيني وعلى الضفة الغربية ، كلما ازداد الخطر الفعلي على المسجد الأقصى .
الوقفة أو انها الآن وليس غداً ، ليس أبداً عندما تضع «اسرائيل» العالم أمام الأمر الواقع .