تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


سورية «أم حضارتنا» هي الطريق لنظام عالمي جديد

 بقلم ميشيل رامبو - سفير فرنسي سابق
عن موقع لجنة فالمي
متابعات سياسية
الاثنين 3-11-2014
 ترجمة: دلال ابراهيم

نعيش حالياً لحظات تاريخية كبرى , أهميتها تضاهي أهمية انهيار الاتحاد السوفييتي, وانهيار الاتحاد السوفييتي مع ما ترتب عليه من تفكك الكتلة الشيوعية والتأسيس الفوري للهيمنة الأميركية وحلفائها دون منازع أفضى إلى عشرين عاماً من البؤس والظلم الشديدين في باقي أنحاء العالم.

الحدث الذي هيمن على قمة العشرين المنعقدة مؤخراً في مدينة سان بطرسبورغ, وجاء نتيجة المخاطر التي حملتها السنوات الثلاث من الأزمة السورية كان إغلاق هذا القوس المأساوي . وفي الواقع تجسد هذه الأزمة , إلى جانب تأكيدها على انبعاث روسيا من جديد وظهور مجموعة البريكس في ظل الزعامة الروسية والصينية حقيقة انتهاء تركيبة المسرح الدولي على قاعدة ( حقبة الأحادية القطبية الأميركية ) الحقبة التي كرست انتصار من يسمون أنفسهم ( القوى الديمقراطية ) واقتصادهم ( اقتصاد السوق ) إنه ناقوس الموت يدق لأكبر عملية احتيال سياسي في العصر الحديث : وما يدعى « المجتمع الدولي » الفرنسي – الانغلو – أميركي يلفظ أنفاسه .‏

هذا ويعتبر الاتفاق المزدوج الموقع بين روسيا والولايات المتحدة في موضوع سورية وثيقة تأسيسية لهذا التحول . ففي حين كان يمثل جدار برلين رمزاً لانتصار « العالم الحر» وأيضاً « نهاية التاريخ» , تحطم في خريف عام 2003 جدار الغطرسة , حيث بدا ما يطلق عليه تسمية ( محور الخير ) بكل مجده وتوهجه على خلفية شمس غائبة . وبدلاً من أن ينتهي التاريخ واصل سيره .‏

لقد كان درساً عظيماً في الدبلوماسية برعت فيه روسيا ( بدعم مستمر من الصين وشركائها الآخرين في مجموعة البريكس , مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا , إضافة إلى جزء كبير من العالم ) عبر تمكنها من دعم القانون الدولي ومبادىء الأمم المتحدة أمام أنصار التدخل في شؤون الدول بأي ثمن كان . ولكن لا يخدعنا ذلك : إذ وفي غضون بضعة أيام أصبح العالم أقرب إلى الكارثة والحرب العالمية . وأن تتوصل كل من روسيا والولايات المتحدة إلى اتفاق حول مبدأ الحل السياسي والدبلوماسي يبهج الناس ذوي النيات الحسنة الساعين والراغبين منذ أشهر عدة للتمهيد لعملية التفاوض في سورية . مع آمالهم أن يكون الزخم من أجل السلام .‏

ولا بد , بالطبع من تحية « سورية الفعلية « أي جميع أولئك الذين راهنوا على الحوار من أجل إنهاء الحرب الكونية التي تواجهها بلادهم . بفضل عزمهم وبعد نظرهم استطاعت أم حضارتنا الصمود – وهي التي تصمد باستمرار – في وجه المآسي الرهيبة التي أصابها من ( أشقائها المزيفين ) في الشرق , ومن ( أصدقائها المزيفين ) في الغرب : أكثر من 100,000 ضحية ,المهجرين وأكثر من نصف البلاد أصابها الدمار , ومن بينها مدينة حلب الشهيدة العاصمة الاقتصادية للبلاد التي عاثوا فيها فساداً ونهباً وتدميراً للبنى التحتية والمدارس والمشافي ومناطق برمتها على يد مقاتلين قدموا من العصور الحجرية . هذا دون أن نغفل ملايين الأرواح المكسورة .‏

صحيح أن رؤية السحنة العابسة لدى بعض « الأصدقاء » المعروفين للشعب السوري أمام أي احتمال للحل السلمي لا تسرنا , ولكن لا يمكن إخفاء حزننا وغضبنا في رؤية فرنسا تبيع مصالحها الوطنية وتدمر مصداقيتها الأخلاقية حينما فضلت الوقوف في الجانب الخطأ من التاريخ . وفي الوقت الذي يغتبط البعض في رؤية العقل والمنطق ينتصران ويعبرون عن التزامهم لصالح مخرج سلمي يتفاوض عليه في سورية , لا تبدي فرنسا أي حماس كبير – وهو تعبير مخفف - لخيار السلام والقانون , والذي اتخذته الدبلوماسية الروسية رمزاً لها .‏

وكان لدينا انطباع , بدلاً من ذلك بأنها اختارت اللجوء إلى معسكر الحرب إلى جانب ممولي الإرهاب . أي عار وأي خراب , حينما نتساءل لماذا أخذت موقفاً بتجاوز مجلس الأمن والتي هي عضو دائم فيه , ولماذا وقفت إلى جانب منطق التدخل , وسعت إلى انتهاك مبادىء الميثاق الأممي الرافعة لرايته !‏

لقد أولت الحكومة الفرنسية أهمية كبيرة لأصوات الكونغرس الأميركي , مقابل ترخيصها بأصوات الغالبية العظمى من الفرنسيين . وهذا خطأ جسيم . سياستها , أيضاً ليست عادلة وغير أخلاقية ومسؤوليتها في المأساة السورية الرهيبة ليس هناك ما يعادلها سوى مسؤوليتها الكبيرة في انغلاقنا وإحساسنا بالذل والمهانة . أتمنى من كل قلبي نجاح مساعي السلام مثل جميع الأصدقاء الحقيقيين لسورية . وقد آن الآوان لكي يعلو صوت الديبلوماسية بدلاً من صوت قرقعة السلاح , وأن يعود السلام والاستقرار إلى سورية .‏

وبعد , هل ينبغي التذكير بما هو واضح ؟ إن السوريين هم وحدهم الذين يقررون مصيرهم بكل حرية واستقلالية . وليس للقادة الأجانب في باريس أو في واشنطن , في الرياض أو في أنقرة أي شرعية في التقرير مكان السوريين . وعليهم شد عصبهم من أجل وضع « خارطة طريق » حول المستقبل أو حول إعادة بناء بلد عملوا على تدميره وخرابه .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية