تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الحلم الأميركي وأحلام التابعين

متابعات سياسية
الاثنين 3-11-2014
 عبد الرحمن غنيم

يحاول البعض تفسير انغماس بعض الأطراف المتورطة في الحرب على بلادنا بالأحلام . فأميركا يحكمها الحلم الامبراطوري في الهيمنة على العالم بأسره ,

وحكام تركيا يحكمهم حلم استعادة سلطان آل عثمان ظانين أن بوسعهم تحقيق ذلك بالاعتماد على جماعة الإخوان , وآل سعود يحكمهم حلم تكريس الدور السعودي على امتداد العالم الإسلامي من خلال الفكر الوهابي التكفيري وتنظيماته الإرهابية , أما حكام قطر فيحكمهم الحلم في تحويل مشيختهم الى مملكة من خلال الحصول على أرض وسكان على حساب الجيران. وطالما أننا نقيس السياسات أو نفسّرها بالأحلام فمن المنطقي ألا ننسى حلم إسرائيل في التوسع بين الفرات والنيل .‏

هذا المدخل من مداخل الرؤية أو التفسير لا بدّ وأن يقودنا الى أمرين :‏

الأول – ماذا عن الدول المتورطة في خدمة أصحاب الأحلام دون أن تكون لها أحلام؟.‏

والثاني – الى أيّ مدى يمكن التوفيق بين أحلام الحالمين , السيّد منهم والتابعين , حتى لا تتضارب هذه الأحلام ؟ .‏

قد تكون الإجابة على السؤال الأول سهلة . فاللاعبون الصغار قد تكون أحلامهم صغيرة الى الحد الذي يجعلنا غير معنيين بالحديث عنها , مع أن ما يحدث قد يؤدّي الى اختفائهم من الوجود . فالنظام الأردني – على سبيل المثال – « يريد سلته بلا عنب » . وهو يورّط نفسه في اللعب من أجل حلم البقاء أولاً , لإدراكه أنه إذا لم يفعل ذلك جرفته السيول , ولعله ثانياً يطمع في « لحسة » من بقايا الطعام في الإناء , بأن يحظى على بعض الأموال لقاء الانخراط في شرّ الأعمال . وباختصار هو أحد نماذج المستضعفين في اللعبة . وهناك مستضعفون آخرون على غراره , ولكنهم بدل أن يقبضوا ثمن خدماتهم , يدفعون من جيوبهم لشراء رضى السيد الأميركي , أي إنهم من المنافقين المنفقين , وليسوا من المنافقين القابضين .‏

أما الإجابة عن السؤال الثاني فإنها بالتأكيد أكثر تعقيداً .‏

إن ما نحن على يقين منه , أن الحالمين الأساسيين لم يجتمعوا للتنسيق بين أحلامهم, وإن اجتمعوا مراراً وتكراراً – ومنذ سنوات طويلة – للتنسيق بين أدوارهم . ولكي نفهم حقيقة الموقف لا بدّ وأن نميّز بين مستويين من الأحلام :‏

المستوى الأعلى : وهو الحلم الامبراطوري الأميركي . وهذا هو الحلم المسيطر والمهيمن على كل الأحلام الأخرى . والأمريكي هنا يعنيه أن يفرض إرادته وسيطرته على الجميع , وأن يستغل أصحاب الأحلام الإقليميين الكبيرة منها والصغيرة مع فئة المنافقين في محاولته لإدخال المتمردين على هيمنته الى بيت الطاعة الأميركي . ولا يهم بعد ذلك كم يحقق كل طرف تابع له – باستثناء إسرائيل - من أحلامه الذاتية , طالما أنهم هم وأحلامهم موضع الاستيعاب والهيمنة . فهو لا يخوض بهم معركة تحقيق أحلامهم , بل يخوض معركة تحقيق أحلامه .‏

وأما على المستوى الأدنى , وهو مستوى أحلام اللاعبين الصغار , فلا بد لنا وأن نتوقع الصدام بين هذه الأحلام . لكن هذا الصدام مرجأ الآن طالما أن أولوية الحلم الأمريكي هي المهيمنة .‏

إن هذا الإرجاء لا يعني أن المشكلة ليست قائمة . ثم إن قليلاً من التفكير لا بدّ وأن يقودنا الى حقيقة في غاية الخطورة والأهمية لفهم ما يحدث , وهي حقيقة أن الحلم الاسرائيلي بالذات يكتسب موقعه الخاص ضمن الحلم الأميركي , فهو جزءٌ لا يتجزأ من هذا الحلم , بينما لا يمكن لأحلام الآخرين أن ترقى الى المستوى ذاته , وحيثما تعارضت هذه الأحلام مع أحلام إسرائيل فإن مصيرها المنطقي هو الكبت , ومصير أصحابها هو التبكيت .‏

هل نملك دليلاً قاطعاً وواضحاً على صحة هذا الاستنتاج ؟ .‏

نعم , إننا نملك الدليل . فمؤامرة « الربيع العربي » التي اصطنعتها واشنطن وسخّرت لها أذنابها من أعراب وأغراب , ومارست فيها كل سبل الاحتيال والتضليل , لم تبدأ من استهداف سورية المتمردة على الهيمنة الأمريكية , وإنما ابتدأت من تونس ومصر وشملت حتى اليمن بالإضافة الى ليبيا . ونحن نعرف أن الأنظمة السياسية التي كانت قائمة في مصر وتونس واليمن كانت موالية لواشنطن , وحتى القذافي كان ضمن الفترة الأخيرة قد بذل كل الجهود لإرضاء واشنطن . فما الذي يجعل أميركا تستهدف أنظمة موالية لها ؟ .‏

لقد ذهب البعض الى القول بأنها أرادت من ذلك الاستهداف تقديم تلك الأنظمة الموالية لها كأضحيات في طريقها الى استهداف سورية !! . وهي فرضية يمكن قبولها ولكن بتحفظ . فمن غير المنطقي أن تضحي واشنطن بأنظمة موالية لها من أجل استهداف نظام يرفض الخضوع . والتفسير الوحيد لما حدث من استهداف إنما هو تنفيذ المخطط الأميركي ذي العمق الصهيوني , لخلق ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد . وهو مخطط ليست غايته استبدال أنظمة بأخرى أكثر ديموقراطية كما يزعمون , وإنما غايته التمهيد لفوضى تقود الى تفكيك الدول وحل الجيوش , وإعادة رسم خريطة المنطقة , بما يحقق هدف إسرائيل في التوسع . وما نشهده الآن في دول الربيع العربي من إرهاب هو دليل قاطع على ذلك .‏

إن الحلم الامبراطوري الأميركي على هذا النحو هو حلم يحمل في أحشائه الحلم الصهيوني التوسعي ويعتبره جزءاً لا يتجزأ منه . وأما بقية الأحلام التركية والسعودية والقطرية فهي أحلام بائسة ثانوية تخضع للحسابات الأمريكية والصهيونية . بل إن الأنظمة المتورطة صاحبة هذه الأحلام ستجد نفسها متضررة بعد مساهمتها في تنفيذ الحلم الصهيوني . فقطر لن تحقق حلمها إلا على حساب المنطقة الشرقية من مملكة آل سعود . ومملكة آل سعود لن تفقد المنطقة الشرقية فقط إرضاء لقطر , بل ستفقد المناطق الشمالية الغربية ضمن حدود تمتد من الكويت الى المدينة المنورة حيث تشملها المطامع الصهيونية . والمطامع الصهيونية تشمل كامل أراضي الكويت والمملكة الأردنية الهاشمية عدا عما تستهدفه من الأراضي السورية والعراقية وكامل أراضي لبنان وجزءاً من الأراضي المصرية. وإذا كان أردوغان يحلم بأن يفوز حتى في مثل هذه الحالة بأراض يضمها الى تركيا على حساب سورية والعراق , فإن مخطط تمزيق المنطقة يتضمن – كما هو معلوم – هدف تمزيق تركيا نفسها الى عدة كيانات . أما قطر , فلعلها بدل أن تفوز بجزء من أراضي مملكة آل سعود لتتحول من مشيخة الى مملكة , تباغت بقرار أمريكي يقضي باحتواء قطر ضمن إحدى الدول الناشئة عن إعادة تقسيم جزيرة العرب , فيكون في ذلك بعض من التعويض لآل سعود عما أخذته منهم إسرائيل في الشمال .‏

إن الحلم الأمريكي بعمقه الصهيوني هو وحده الذي يمكن أن يتحكم ليس فقط بأحلام التابعين الإقليميين ولكن أيضاً بمصائر هؤلاء التابعين . فحين يفرض عليهم الحلم الأمريكي الصهيوني إرادته , وتتبخّر أحلامهم , لا شيء يمكن أن يضمن قدرتهم على الاستمرار في حكم شعوبهم . والأرجح في هذه الحالة أن يسقطوا صرعى أحلامهم الساقطة .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية