تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«حكاية جنجي».. ألف صفحة.. وصفحة فارغة..

ثقافة
السبت 6-4-2013
هفاف ميهوب

هي ليست من روائعِ الأدب العالمي فحسب, وإنما أيضاً العالمي, وكروايةٍ خياليةٍ عاطفية, استمدَّت مكانتها وعمقها من الطريقةِ التي اتَّبعتها كاتبتها في تدوين اليوميات.. يوميات حوالي أربعمئة شخصية, تغلغلت في وجود وأعماقِ كلّ منها, لتكشف للقارئ بعدها, أعمق ما يمكن أن تخفيهِ النفس البشرية..

أيضاً, هي من الروايات التي تنتمي إلى أدب الرخاء, ولأنها تحكي عن حياة النبلاء في البلاطِ. ذاك الذي قضت الكاتبة معظم حياتها فيه, تراقب وتُراكم في ذاكرتها, عواطف ورغبات وطقوس وعادات ومغامرات, كل من عاش في «العصر الهيني».. العصر الذي دارت أحداث الرواية فيه, والذي يعود إلى بداية القرن الحادي عشر. حيث كانت عاصة اليابان «هيان كيو»..‏

إنها «حكاية جنجي».. الحكاية الأشبه بروايةٍ ملحمية والمؤلَّفة من أربعة وخمسين فصلاً والتي تدور حول الامبراطور وولده «جنجي» وعائلته ومحظياته, وكان «جنجي» أميراً ملكياً يتمتع بمواصفاتٍ جعلت منه رجلاً موهوباً وجذاباً وبارزاً..‏

أما عن الكاتبة فهي «مورازاكي شيكيبو» التي بدأت حياتها في البلاط الامبراطوري بعد فترةِ زواج قصيرة, وبعد أن توفي زوجها أحد حراس القصر الذي اضطرَّت للعمل فيه بعد وفاته, وكوصيفةٍ لدى الامبراطورة..‏

في القصرِ, تعلَّمت اللغة الصينية التي كانت لغة البلاط والثقافة, ودون أن يعلم أحد بذلك لطالما, كانَ تعلُّم تلك اللغة مهمة شاقة وحكراً على الأمراء, ممن تمكَّنت من الاستماع إلى أحاديثهم لهدفٍ أغنى ذاكرتها باليوميات التي بدأت بكتابتها دون أن تنتهي منها إلا بعد سبع سنواتٍ قدَّمت بعدها رائعتها الخالدة التي لايزال اليابانيون حتى يومنا هذا يحتفلون بحكايتها «حكاية جنجي».‏

تحكي هذه الرواية عن الأمير «جنجي» ابن امبراطور القصر, وقد كان سائداً في ذلك العصر, أن يتزوج الامبراطور بزوجةٍ رئيسية هي الامبراطورة التي يجمع معها عددامن المحظيات, وكانت والدة «جنجي» إحداهن, بل وصاحبة المكانة المميزة التي كانت سبباً في غيرة نساء القصر منها, وأيضاً مؤامراتهنَّ التي انتهت بموتها وهي لاتزال صغيرة في السن.‏

بعد موتها, حزن الامبراطور طويلاً إلى أن أحبَّ محظية جديدة سرعان ما تزوجها, واعتُبرت كأمٍّ ل «جنجي» الذي ارتبط وإياها بعلاقةٍ بدأت بالاحترام وانتهت بقصة غرامية هرب منها بالزواج ومن ثمَّ بتعدُّد المغامرات الطائشة والمتنوعة مع نساء القصر..‏

لاشكَّ أن مغامرات هذا الأمير, هي من جعلت منه البطل المغرم والطائش دائماً, ومع تأنقٍ وثقافة جسَّد بهما الشخصية الأكثر ثقافة وحباً للمعرفة..‏

إذاً.. الأمير «جنجي» هو محور أحداث الرواية. ذلك أنه طغى بثقافته وفكره على وجود ومغامرات أبنائه وأحفاده وسواهم ممن دوَّنت «مورازاكي» في روايتها, كل شيءٍ عنهم, وسواء كانوا أمراء أو زوجات أو خدما أو حتى محظيات يرافقن الأمير في جولاته. تلك التي دخل في إحداها إلى غرفة إحدى العاملات في القصر, فوجدها كعادتها بالكادِ ترفع عينيها عن الكتاب الذي أمامها, والذي كان عبارة عن روايةٍ خيالية سخرَ منها ضاحكاً ومعقِّباً على رداءةِ هكذا نوع من الروايات, ليعترف بعدها قائلاً:‏

«أنا الآخر كنت أقرأ في الآونةِ الأخيرة هذه الكتب, ولابدَّ أن أخبركِ أنني ذُهلت فعلاً بالبهجة التي غمرتني جراء قراءتها. إذ يبدو أن هناك فناً ما لربطِ كلِّ جزءٍ من الحكاية بالجزءِ الذي يليهِ, وبالرغم من أن كلّ ذلك لا يعدو كونه محض خيال, إلا أن القارئ يقتنع تماماً بسهولةِ إمكان حدوث مثل هذه الأشياء ويتأثر بها من أعماقه وكأنها حدثت فعلاً في واقعه»..‏

هذه الكلمات, اخترناها للتأكيد على أن كاتبة «حكاية جنجي» أرادت أن تقول, بأن أدب الرخاء وإن حمل من الطيش والمغامرة والمجون الكثير إلا أنه حمل أيضاً ثقافته الخاصة.. وهو ماجسدته الرواية بلسان «جيجي» الأمير الذي انتهى نهايةً سطَّرتها الصفحة ما بعد الألفِ في روايةٍ بلغت عدد صفحاتها, ألف صفحة, وصفحة فارغة...‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية