|
دفاعـــــــاً عـــــــــن حــــــــرف الـــــــدال ثقافة ويتعرض هذا اللقب في مجتمعاتنا الثقافية إلى هجوم شرس من قبل فئتين من الناس: 1- الفئة الأولى هي فئة المثقفين من غير الدكاترة فهؤلاء يغارون من تلك الفئة العلمية التي جدت واجتهدت حتى نالت هذا اللقب ، لهذا يترصدون أصحابها على كل زلة أو هفوة حتى يقولوا: «انظروا إن هذا اللقب لا يعني شيئاً في مجال الثقافة، والمثقف الحقيقي ليس بحاجة إلى إضافة أي حرف يضعه أمام اسمه لكي يثبت أنه مثقف حقيقي». وأذكر أن المرحوم حسيب كيالي شن هجوماً عنيفاً على «فئة الدكاترة» على صفحات جريدة «البيان» الإماراتية في ثمانينيات القرن الماضي، وقد رددت عليه كما أذكر بمقال تحت عنوان «دفاعاً عن الدكاترة»في جريدة «الشرق الأوسط» التي كنت أكتب فيها تلك الأيام. 2- والفئة الثانية هي فئة الوصوليين التي لا تتمتع بالعلم ولا بالثقافة وتريد أن تصل إلى »حرف الدال نقطة« بأي ثمن ما عدا الثمن العلمي الذي يستحق. من المعلوم في جميع جامعات العالم أن الدراسة فيها على مرحلتين: - المرحلة الأولى هي مرحلة «الليسانس» أو «البكالوريوس» ومدتها أربع سنوات. - مرحلة الدراسات العليا ومدتها سنتان بالنسبة للماجستير، وأربع سنوات بالنسبة للدكتوراه. ومعنى هذا أنه لا يمكن لأي دارس أو باحث أن يحصل على حق حمل هذا اللقب (د) إلا بعد دراسة ثماني سنوات بعد شهادة بكالوريا، وبعد التقدم بأطروحة علمية تقرها لجنة الحكم في الجامعة فتمنحه اللقب أو تحجبه عنه لمدة سنة إضافية. نقول هذا وفي ذهننا بعض «الخروقات الفاضحة» لهذه التقاليد العلمية العريقة في بلدنا المبارك هذا، الذي كان طوال حياته موئلاً للعلم والعلماء الحقيقيين. واسمحوا لنا أن نبق البحصة فنقول إن نفراً من الناس قد استصعبوا الحصول عى حرف الدال، وأضاعوا ثمانية أعوام من عمرهم في الجد والبحث فذهبوا إلى بعض الجامعات الناشئة في باكستان والجمهوريات الإسلامية في بلدان آسيا الوسطى، وحصلوا على اللقب في ثمانية أيام بدلاً من ثمانية أعوام؟ وهكذا أصبح من المألوف جداً أن ترى كاتباً معيناً يوقع باسمه البسيط غير المسبوق بأي حرف ثم بعد أسبوع تراه يوقع باسمه مسبوقاً بحرف الدال، دون أن يتعرض لمن يقول له: «من أين لك هذا»؟ وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت إن ربع من يوقعون اليوم بأسمائهم مسبوقة بحرف الدال ضمن الاختصاصات اللغوية والأدبية والفلسفية ، هم أناسٌ مزورون لا يحق لهم ادعاء هذا اللقب، ودعونا نستعرض بعض الحالات دون ذكر الأسماء. 1- هناك أديب تم منحه اللقب استناداً إلى كتاب كان قد أصدره قبل بضع سنوات، ودون أن يحصل على دبلوم أو ماجستير ، وأما الأطروحة فكانت مجرد خطاب يشبه »خطاب العرش«. 2- أديب آخر لم يكن يحمل أي شهادة أعلى من الابتدائية وقد أهلته صداقته مع أحد المسؤولين في إحدى الدول العربية للإنعام عليه بلقب دكتور فأصبح يستخدمه منذ ذلك اليوم. 3- محاضر في المناسبات يصر على ذكر اسمه مسبوقاً بحرف الدال لأنه اتبع دورة قبل خمسين سنة، وهي في رأيه تعادل شهادة الدكتوراه، علماً بأنها تعادلها في الدرجة الحالية وليس في المرتبة العلمية. 4- محاضرٌ آخر ادعى في إحدى محاضراته عياناً بياناً أن اثنتي عشرة مؤسسة علمية قد اجتمعت في مؤتمر علمي في سويسرا ومنحته شهادة الدكتوراه ، ونحن نعلم- بكل تواضع- أن المؤتمرات العلمية العالمية تجتمع لتناقش مسائل علمية في مجال اختصاصها ، وليس بين هذه المسائل منح شهادات الدكتوراه. 5- شاعر خطر على باله بمناسبة بلوغه سن الثمانين أن يضيف إلى أمجاده مجداً جديداً، فسافر إلى لبنان أثناء الصيف لمدة شهر ثم عاد يحمل بين أمتعته «حرف الدال» ولا ندري كيف ومن أين حصل عليه؟! 6- تاجر ألبسة بسعر الجملة في محلة «الحريقة» بدمشق، أحب أن «يحرق» المراحل، فاستخدم مهاراته التجارية للحصول على اللقب من إحدى الجامعات الباكستانية، وحصل عليه بعد ذهابه إلى مدينة كراتشي والإقامة فيها لمدة أسبوع ودفع 1000 دولار أمريكي فقط بدلاً من 2000 دولار. 7- عرض عليّ رئيس إحدى الجامعات الخاصة الإشراف على رسالة «دكتوراه في الحقوق» لطالب يحمل إجازة «الليسانس في التاريخ» وعندما استغربت الأمر سألته ولماذا لا يحصل على الدكتوراه في التاريخ بدلاً من الحقوق أجابني: «لأنه يريد أن يعمل في المحاماة» بعد نيله الشهادة. وبعد فهذا غيض من فيض، يدل على الحالة المؤسفة التي وصلت إليها هذه الشهادة العلمية التي يرمز لها بحرف الدال؟! إن هذا اللقب، الذي يدعيه بعض الناس لأنفسهم دون وجه حق لا يزيد ولا ينقص من قدر صاحبه العلمي ، وليس هناك من ينكر أن بعض من لا يحملونه أفضل علماً وثقافة ممن يحملونه، وقد عرفت كلية الآداب في جامعة دمشق مثلاً نفراً من الأساتذة سعيد الأفغاني، وأحمد راتب النفاخ ، وعمر الحكيم.. وكان هؤلاء يصححون لمن يناديهم بلقب «دكتور» ويطلبون منه أن يناديهم بلقب «أستاذ» لأن هذا اللقب الثاني أسمى مرتبة من الأول. وكخاتمة لهذا المقال نأمل من الوزارات المختصة (التعليم العالي، الثقافة، التربية) أن تعمل على حصر أسماء من يستخدمون لقب حرف الدال في سورية اليوم وفي المستقبل ، لكي تحدد أسماء من يحق لهم حمل هذا اللقب واستخدامه علمياً - إذا شاؤوا - ومن لا يحق لهم ذلك ، لأن الشهادات التي يحملونها والدراسات التي يدعون أنهم قاموا بها، لا تؤهلهم لحمل هذا اللقب العلمي أو حتى ما هو دونه.
|