تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


دفاعـــــــاً عـــــــــن حــــــــرف الـــــــدال

ثقافة
الخميس 5-3-2009م
بقلم: د. إحسان هندي

من المعلوم والمتفق عليه شرعاً وقانوناً أن لقب «الدكتوراه» هو لقب علمي لايحق لأحد أن يدعيه أو يضيف رمزه (حرف الدال) إلى اسمه إلا إذا حاز هذا اللقب من جامعة علمية معترف بها.

ويتعرض هذا اللقب في مجتمعاتنا الثقافية إلى هجوم شرس من قبل فئتين من الناس:‏

1- الفئة الأولى هي فئة المثقفين من غير الدكاترة فهؤلاء يغارون من تلك الفئة العلمية التي جدت واجتهدت حتى نالت هذا اللقب ، لهذا يترصدون أصحابها على كل زلة أو هفوة حتى يقولوا: «انظروا إن هذا اللقب لا يعني شيئاً في مجال الثقافة، والمثقف الحقيقي ليس بحاجة إلى إضافة أي حرف يضعه أمام اسمه لكي يثبت أنه مثقف حقيقي».‏

وأذكر أن المرحوم حسيب كيالي شن هجوماً عنيفاً على «فئة الدكاترة» على صفحات جريدة «البيان» الإماراتية في ثمانينيات القرن الماضي، وقد رددت عليه كما أذكر بمقال تحت عنوان «دفاعاً عن الدكاترة»في جريدة «الشرق الأوسط» التي كنت أكتب فيها تلك الأيام.‏

2- والفئة الثانية هي فئة الوصوليين التي لا تتمتع بالعلم ولا بالثقافة وتريد أن تصل إلى »حرف الدال نقطة« بأي ثمن ما عدا الثمن العلمي الذي يستحق. من المعلوم في جميع جامعات العالم أن الدراسة فيها على مرحلتين:‏

- المرحلة الأولى هي مرحلة «الليسانس» أو «البكالوريوس» ومدتها أربع سنوات.‏

- مرحلة الدراسات العليا ومدتها سنتان بالنسبة للماجستير، وأربع سنوات بالنسبة للدكتوراه.‏

ومعنى هذا أنه لا يمكن لأي دارس أو باحث أن يحصل على حق حمل هذا اللقب (د) إلا بعد دراسة ثماني سنوات بعد شهادة بكالوريا، وبعد التقدم بأطروحة علمية تقرها لجنة الحكم في الجامعة فتمنحه اللقب أو تحجبه عنه لمدة سنة إضافية.‏

نقول هذا وفي ذهننا بعض «الخروقات الفاضحة» لهذه التقاليد العلمية العريقة في بلدنا المبارك هذا، الذي كان طوال حياته موئلاً للعلم والعلماء الحقيقيين.‏

واسمحوا لنا أن نبق البحصة فنقول إن نفراً من الناس قد استصعبوا الحصول عى حرف الدال، وأضاعوا ثمانية أعوام من عمرهم في الجد والبحث فذهبوا إلى بعض الجامعات الناشئة في باكستان والجمهوريات الإسلامية في بلدان آسيا الوسطى، وحصلوا على اللقب في ثمانية أيام بدلاً من ثمانية أعوام؟‏

وهكذا أصبح من المألوف جداً أن ترى كاتباً معيناً يوقع باسمه البسيط غير المسبوق بأي حرف ثم بعد أسبوع تراه يوقع باسمه مسبوقاً بحرف الدال، دون أن يتعرض لمن يقول له: «من أين لك هذا»؟‏

وقد لا أكون مبالغاً إذا قلت إن ربع من يوقعون اليوم بأسمائهم مسبوقة بحرف الدال ضمن الاختصاصات اللغوية والأدبية والفلسفية ، هم أناسٌ مزورون لا يحق لهم ادعاء هذا اللقب، ودعونا نستعرض بعض الحالات دون ذكر الأسماء.‏

1- هناك أديب تم منحه اللقب استناداً إلى كتاب كان قد أصدره قبل بضع سنوات، ودون أن يحصل على دبلوم أو ماجستير ، وأما الأطروحة فكانت مجرد خطاب يشبه »خطاب العرش«.‏

2- أديب آخر لم يكن يحمل أي شهادة أعلى من الابتدائية وقد أهلته صداقته مع أحد المسؤولين في إحدى الدول العربية للإنعام عليه بلقب دكتور فأصبح يستخدمه منذ ذلك اليوم.‏

3- محاضر في المناسبات يصر على ذكر اسمه مسبوقاً بحرف الدال لأنه اتبع دورة قبل خمسين سنة، وهي في رأيه تعادل شهادة الدكتوراه، علماً بأنها تعادلها في الدرجة الحالية وليس في المرتبة العلمية.‏

4- محاضرٌ آخر ادعى في إحدى محاضراته عياناً بياناً أن اثنتي عشرة مؤسسة علمية قد اجتمعت في مؤتمر علمي في سويسرا ومنحته شهادة الدكتوراه ، ونحن نعلم- بكل تواضع- أن المؤتمرات العلمية العالمية تجتمع لتناقش مسائل علمية في مجال اختصاصها ، وليس بين هذه المسائل منح شهادات الدكتوراه.‏

5- شاعر خطر على باله بمناسبة بلوغه سن الثمانين أن يضيف إلى أمجاده مجداً جديداً، فسافر إلى لبنان أثناء الصيف لمدة شهر ثم عاد يحمل بين أمتعته «حرف الدال» ولا ندري كيف ومن أين حصل عليه؟!‏

6- تاجر ألبسة بسعر الجملة في محلة «الحريقة» بدمشق، أحب أن «يحرق» المراحل، فاستخدم مهاراته التجارية للحصول على اللقب من إحدى الجامعات الباكستانية، وحصل عليه بعد ذهابه إلى مدينة كراتشي والإقامة فيها لمدة أسبوع ودفع 1000 دولار أمريكي فقط بدلاً من 2000 دولار.‏

7- عرض عليّ رئيس إحدى الجامعات الخاصة الإشراف على رسالة «دكتوراه في الحقوق» لطالب يحمل إجازة «الليسانس في التاريخ» وعندما استغربت الأمر سألته ولماذا لا يحصل على الدكتوراه في التاريخ بدلاً من الحقوق أجابني: «لأنه يريد أن يعمل في المحاماة» بعد نيله الشهادة.‏

وبعد فهذا غيض من فيض، يدل على الحالة المؤسفة التي وصلت إليها هذه الشهادة العلمية التي يرمز لها بحرف الدال؟!‏

إن هذا اللقب، الذي يدعيه بعض الناس لأنفسهم دون وجه حق لا يزيد ولا ينقص من قدر صاحبه العلمي ، وليس هناك من ينكر أن بعض من لا يحملونه أفضل علماً وثقافة ممن يحملونه، وقد عرفت كلية الآداب في جامعة دمشق مثلاً نفراً من الأساتذة سعيد الأفغاني، وأحمد راتب النفاخ ، وعمر الحكيم.. وكان هؤلاء يصححون لمن يناديهم بلقب «دكتور» ويطلبون منه أن يناديهم بلقب «أستاذ» لأن هذا اللقب الثاني أسمى مرتبة من الأول.‏

وكخاتمة لهذا المقال نأمل من الوزارات المختصة (التعليم العالي، الثقافة، التربية) أن تعمل على حصر أسماء من يستخدمون لقب حرف الدال في سورية اليوم وفي المستقبل ، لكي تحدد أسماء من يحق لهم حمل هذا اللقب واستخدامه علمياً - إذا شاؤوا - ومن لا يحق لهم ذلك ، لأن الشهادات التي يحملونها والدراسات التي يدعون أنهم قاموا بها، لا تؤهلهم لحمل هذا اللقب العلمي أو حتى ما هو دونه.‏

تعليقات الزوار

شامي |    | 05/03/2009 01:46

بدكن تشوفوا كم مدير عام يحمل اسم دكتورا اشتراها من أوروبا الشرقية و هو قاعد على كرسيه بين ليله و ضحاها

مشارك |  mnawar@mail2world.com | 05/03/2009 07:33

نشكر كاتب المقال على ما عرضه في هذه المقالة الجديرة بالاهتمام والنظر والمتابعة من قبل المسئولين أصحاب القرارات العلمية في مؤسساتنا العلمية الكريمة ، وأضيف على المقالة أن الكثير ممن ذكر وممن يدّعون هذه الشهادة (دكاترة ) وبدون أي خجل أحيانا يعرفون على أنفسهم بهذا اللقب عندما يأتون لألقاء محاضرات في المراكز الثقافية التابعة لوزارة الثقافة أو غيرها من المؤسسات العلمية والثقافي وخاصة في الأمكنة التي لا يعرفهم أحد وما أكثرهم هذه الأيام ، والغريب أن المسئولين عن المراكز الثقافية لايدققون بحقيقة الشهادة العلمية لهذا الشخص أو ذاك وكأن الأمر علاقة شخصية وبرأيهم ما هو الفرق عند المستمعين فلن يأتي من يحاسب على هذا الإدعاء وليس هناك من مسئولية . نعم قد يكون هناك أدباء ومثقفون ومتفلسفون و..و..و.. ولكن مع كل ذلك أن تحصل على شهادة الدكتوراه بشكل صحيح يكون شيء مختلف مهما كان الشخص أديبا أو كاتبا أو شاعرا ، لأنك بحصولك على الشهادة يعني أنك أصبحت لك الحق أن تكون أديبا ، شاعرا وكاتبا ومربيا وسياسيا واقتصاديا ونموذجارائدا ملموساللأجيال الذين يتطلعون إلى التحصيل العلمي العالي ، لو استطاع الأديب أو الكاتب أو الشاعر أو السياسي أو الاقتصادي أو غيرهم من الحصول على شهادة الدكتوراة بشكل نضامي لم يقصر في ذلك ولكن الكثير ممن ذكرت والذين لم يستطيعوا ذلك ومن أجل تبرير ما لم يستطيعون الحصول عليه (شهادة دكتوراه ) يحاولون التقليل من أهمية ذلك وهذا بذاته دعوة جائرة للحد من طموحات الشباب المتحمس والمتطلع لأعلى الشهادات العلمية ، وأخيرأ أختم بالآية القرآنية ((أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض )) .

رامي |  rob_anking@yahoo.com | 05/03/2009 10:02

ربما ورد خطأ في مقالك فللحصول على لقب الدكتوراه يعني دراسة 10 سنوات على الأقل بعد الثانوية إن لم تكن 12 سنه .. وأضيف أن من يحصل دكتوراه بهذه الطريقة يكون له المناصب والمراكز.. وفهمكم كفاية والذين يحصلون عليها بشرف وجد واجتهاد تتفتح عليهم نار جهنم

حسام  |  h.mozayyek11@yahoo.com | 05/03/2009 15:14

نشكر د. احسان علي هذا المقال الذي بدوره أستوضح أمور لتتم معالجتها من قبل الجهات المختصه . ولكن عندي مداخله بسيطه وهي اني سمعت أن هنالك قابلات في مشافي حكومية عمدت الي فتح عيادات خاصة لها تحت مسميات طبيبات بالاضافه الي عمليات بسيطة جدا كالتجريف و ما يشابهها وترسل مرضاها الي هذه المشافي الحكومية التي يعملون بهاولكن عند التسجل تضع أسم الدكتور المناوب . لذلك نطلب من الجهات الختصة( التعليم العلي أو الصحة) كما ذكر الدكتور احسان المراجعة والتأكدمن هذه الاشاعات حتي لا يختلط علينا الأمر .

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية