ما انفكت ظروف العرب وأحوالهم ومصالحهم وفي المقدمة مصالحهم القومية العليا التي تواجه تهديدات جدية تثبت أن إدارة الظهر للثوابت تعني حصاداً لما تحمد عقباه، أو نكوصاً تراجعياً لما يثمر في يوم من الأيام سوى ضياع لفرص في عالم لا ينتظر المترددين كثيراً، نقول ذلك في وقت لايكف فيه العرب شعبياً ورسمياً عن ترديد مقولة الحرص على رص الصفوف والخروج بموقفٍ موحد بحكم الضرورة في مواجهة حالة لدى الجميع القناعة بأنها الأسوأ عبر تاريخهم الذي مرّ بكثير من اللحظات الصعبة.
ومن يراقب مايحدث في الأراضي العربية المحتلة، والاعتداءات والمجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال، واقتحام للأراضي وتدمير للمنازل ومصادرة لآلاف الدونمات بهدف تنفيذ مخططات تستهدف اقتلاع شعب فلسطين من جذوره، وطمس قضيته نهائياً، من يراقب كل ذلك وينظر في الحالة العربية الراهنة سيصاب دون شك بشيء من الانكسار لهول المفارقة، ولهول اتساع الهوة بين الراهنين: التحديات المصيرية من جهة، ومايقابلها من حالة عربية تقف على مسافة كبيرة من القرار والمواقف المناسبة والتطورات المتسارعة، في وقت نتصور فيه أن أضعف الإيمان يتمثل في واجب الارتقاء إلى المواجهة المناسبة للتحديات بوصفها حافزاً، وخاصة أن الدم العربي المسفوح، والمنازل المهدمة فوق رؤوس أصحابها، تنذر بكارثة عنوانها العريض الإجهاز على الشعب الفلسطيني، ودفن قضيته وفرض واقع الاحتلال.
والشعب الفلسطيني لايسعه إزاء مايجري له إلا تأكيد استمرار المقاومة لقهر الحصار الإسرائيلي المحكم، ومن يعتقد ممن يدعمون «إسرائيل» أو يتفرجون بلا مبالاة على مأساة هذا الشعب، أنهم يوفرون الوقت لإنجاز المماطلة والتسويف والرهان على من لطخت أيديهم بدماء الفلسطينيين كي يذعنوا للشرعية الدولية، إنما يوفرون المزيد من الوقت للإجهاز على ماتبقى من أصول الشرعية الدولية، لأن قضية الشعب الفلسطيني بحقوقه وآماله وتطلعاته لم تكن وعلى مدى العقود المنصرمة جزءاً من الشرعية الدولية فحسب، بل وعماد هذه الشرعية، طوال عشرات السنين هي عمر الغزو الصهيوني، ومناهضته للشرعية الدولية التي وقفت عاجزة أمام عدوانٍ لامثيل له في التاريخ.
لم تبقَ منظمة أو هيئة أو لجنة مهتمة بحقوق الإنسان في العالم كله إلا وأعلنت أن مايحدث للفلسطينيين عمل يرقى إلى مستوى جرائم الحرب، وهو انتهاك فاضح لحقوق الإنسان ولكل الشرائع والأعراف الدولية، وما من عاقل على وجه البسيطة مهما بلغت درجة التسويف لديه، و مهما عمل على تلوين الحقيقة بغير ألوانها، بوسعه أن يقول إن المقاومة ليست حقاً مشروعاً للشعب الفلسطيني في دفاعه عن نفسه وعن مصير وعن أرواح أبنائه، لأنه شعب واقع تحت عسف الاحتلال العسكري وجوره وبطشه.
وبطبيعة الحال لايحتاج الشعب العربي الفلسطيني إلى شهادة من أحد، بل على النقيض من ذلك، إن من يدعم الاحتلال ويساند اجراءاته الإرهابية والقمعية و سياسة الاغتيالات والتصفية الممارسة بحق هذا الشعب ويعتبر كل ذلك أمراً مسوغاً، يؤكد من جديد زيف مقولات الدفاع عن حقوق الإنسان ونصرة الشرعية الدولية ومكافحة الإرهاب التي تم تحت لوائها دوس شعوب وأمم.. فهل من إرهاب في العالم بوسعه أن يزاحم مشروع الإبادة الجماعية التي يمارسها جيش الاحتلال الصهيوني وحكومة أولمرت على الدرك الذي وصل إليه، هذا الإرهاب الذي يمارس بقرار علني اتخذ على المستوى الرسمي والمعلن في الكيان الصهيوني؟!.
وعوضاً عن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة نجد هناك من ينبري للدفاع عن الأعمال العدوانية، بل ويطالب بكل تحلل من أعراف وقوانين وأخلاق إنسانية الشرعية الدولية أن تتكيف الضحية مع شروط القاتل. والمفارقة التي تؤكد سياسة المعايير المختلفة أن يصل تجاهل كل ذلك في زحمة الحديث عن الإرهاب في وقت لايتوقف فيه دعم القتلة بمختلف الأشكال العسكرية والاقتصادية والسياسية، وآخر المطاف الترويجية والتبريرية تحمي العنصرية وعدوانها على شعبٍ كامل، بل إن هناك من يبرر المجازر والإرهاب، وكأن الدماء الفلسطينية لاعلاقة لها بالبشر ولا بشرائعهم ولابالمواثيق والمبادئ .
إن العرب وهم على أبواب قمتهم في الدوحة، في أواخر آذار الجاري مطالبون برسم موقفٍ موحدٍ من هذه المسائل، قادرٍ على وضع حدٍ لحالة التخبط السائدة، التي تسمح لأعداء الأمة النفاذ منها لتحقيق أهدافهم ومخططاتهم في قضم حقوقهم، وزيادة تمزقهم وفرض الهيمنة عليهم.
ليس المطلوب فقط، إن يصدر موقف يميز بين المقاومة والإرهاب وإن كان ضرورياً ومهماً لتأكيد حقنا في مقاومة الاحتلال الصهيوني كما تنص على ذلك القوانين الدولية، بل إن الأهم أن يوحد العرب كلمتهم وموقفهم واقعياً وعملياً، من أجل إعادة الاعتبار لدورهم أولاً، ولفرض احترام العالم لهم ولموقفهم ثانياً، ذلك أن الحق المؤكد في القوانين والمواثيق يحتاج دائماً إلى قوة لحفظه واستعادة المسلوب منه.