شهد الحزب الجمهوري أمس هزيمتين متتاليتين في أول انتخابات محلية جرت في ولايتي كنتاكي وفيرجينيا، وهو الأمر الذي يعمق مأزق ترامب برغم محاولاته المتواصلة لتحسين صورته أمام الرأي العام الداخلي والخارجي عبر البحث عن إنجازات وانتصارات - حتى ولو كانت وهمية وسريالية- يعيد من خلالها تموضعه بحيث يسحب البساط من تحت خصومه وأعدائه في الدولة العميقة.
على هذا النحو، يبدو ترامب وكأنه يسابق الزمن لإحداث انقلاب نوعي في المزاج السياسي والشعبي الأميركي قبل الانتخابات الرئاسية التي ستجري العام المقبل، لاسيما في ظل ارتفاع وتيرة الأصوات المطالبة بعزله على خلفية سياساته المتناقضة إلى حدود الحماقة والسذاجة المطلقة التي ساهمت إلى حد كبير بإظهار الوجه الدموي والإرهابي للولايات المتحدة إلى العلن وبشكل وقح، وربما هذه هي الميزة الإيجابية الوحيدة التي تميز ترامب عن بقية الرؤساء الأميركيين الذين كانوا يلتزمون بالخطوط الحمراء التي وضعتها الدولة العميقة، وعلى رأسها الالتزام بتجميل صورة أميركا أمام العالم، وهذا الأمر تحديداً أي الالتزام بتجميل صورة أميركا أمام العالم خرقه ترامب بشكل أثار حنق وغضب كل الرؤوس الحامية في بلاده بما فيهم أقرب المقربين إليه، ولعل مسلسل الاستقالات والإقالات الذي بدأ مبكراً في إدارته يندرج ضمن هذا السياق، سياق رفض سياسات وسلوك ترامب.
من الداخل الأميركي تبدو الصورة أوضح، لجهة جدية وكثافة إجراءات عزل ترامب، خاصة مع ارتفاع نسب المؤيدين لإجراء التحقيقات الرامية لعزله، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة (وول ستريت جورنال) وشبكة (إن بي سي) الأميركيتان منذ يومين أن أكثر من نصف الأميركيين باتوا يؤيدون التحقيقات الرامية لعزل رئيسهم.
كذلك فإن الهزيمة القاسية التي تلقاها ترامب وحزبه يوم أمس وأمس الأول خلال الانتخابات المحلية التي جرت في ولايتين تعكس حقيقة المزاج السياسي عند الجمهور الأميركي حيال سلوك وسياسات الرئيس الأميركي، حيث أشارت التوقعات إلى فوز الديمقراطيين فيها، في مؤشر خطير قد ينسف طموحات ترامب بالترشح لولاية رئاسية جديدة في عام 2020، فقد أطاح الديمقراطي آندي بشير، الذي تصدّر بأقل من نصف نقطة مئوية بعد عدّ كل الأصوات، بمنافسه الجمهوري مات بيفن حاكم ولاية كنتاكي المؤيدة عادة للجمهوريين، وفي ضربة ثانية خسر حزب ترامب الأغلبية في مجلسي الجمعية العامة (الهيئة التشريعية) في فيرجينيا، التي يتزايد تأييدها للديمقراطيين الذين سارعوا إلى الإشادة بما اعتبروه دفعاً كبيراً إلى الأمام بالنسبة إلى الحزب الذي يستعد لمعركته الأكبر ضد الرئيس العام المقبل، وقال رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية توم بيريز: « إن على هذا النصر التاريخي أن يثير خوف دونالد ترامب وكل جمهوريّ». وأضاف: «يتنافس الديمقراطيون في كل انتخابات وكل ولاية يترشحون فيها بناءً على قيمنا ويبثون طاقة غير مسبوقة في مراكز الاقتراع ــ هكذا فزنا وهكذا سنهزم ترامب» في عام 2020.
وتشكل نتائج الانتخابات قاعدة متينة للراغبين بعزل ترامب، خاصة وأن خصوم ترامب يبنون الكثير من الآمال على هذه نتائج هذه الانتخابات التي ستعكس الرأي العام الأميركي بشكل واضح وحاسم، لاسيما وأن الحزب الجمهوري بدأ ينهار أمام الديمقراطيين داخل الولايات التي تعتبر حصناً منيعاً له وخصوصاً ولاية فيرجيينا التي بدأت تميل إلى الديمقراطيين الذين استغلوا تراجع شعبية ترامب بشكل كبير وتنامي تأثير الناخبين في ضواحي فيرجينيا لمساعدتهم على استعادة الهيئة التشريعية، وفي هذا السياق قال السناتور كوري بوكر، المرشح الديمقراطي لانتخابات 2020: «لاحظنا في انتخابات فيرجينيا وكنتاكي أن الأميركيين يرفضون أسلوب ترامب في السياسة المثير للانقسامات»، وأضاف: «نحتاج إلى قيادة أخلاقية تسعى لتوحيد هذا البلد والعمل باتجاه مستقبل أفضل لجميع الأميركيين».
في ذات السياق فقد نقلت وكالة (فرانس برس) عن رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي آدم شيف المشرف على العملية قوله:( إنه مع دخول التحقيق مرحلته العلنية فإن مسؤولين بينهما وليام تايلور السفير الأميركي الحالي لدى أوكرانيا الذي دعم اتهام ترامب بالسعي إلى ممارسة ضغوط على كييف للتحقيق في منافسه جو بايدن من أجل مكاسب سياسية شخصية، سيدلي بشهادته يوم الأربعاء المقبل فيما ستقدم السفيرة الأميركية السابقة لأوكرانيا ماري يوفانوفيتش شهادتها الجمعة المقبلة، يأتي هذا بعد استدعاء لجان التحقيق الأميركية كبير موظفي البيت الأبيض بالوكالة ميك مالفاني للإدلاء بإفادته نهاية الأسبوع القادم.