|
ويوم آخر.. إضاءات فهذه الأنشطة، وبصرف النظر عن تباين مستوياتها، تكتسب أهمية استثنائية في هذا الزمن الاستثنائي، لا بحكم أنها تعبر عن إرادة الحياة في وجه تحديات الموت والإلغاء (وإفناء الحياة الثقافية والإبداعية ضمناً) فحسب، وإنما لأنها تساهم في منح تلك الحياة مقومات الاستمرار حتى يتم تخطي الزمن الصعب، إلى زمن انطلاقة جديدة لا تكون مفصولة عما سبقها، وعما تم العمل عليه بجدية وإدراك عميقين سنوات طويلة، إلى أن صارت لدينا هيكلية ثقافية قادرة على القيام بالكثير من العمل المأمول منها.. ينطبق ما سبق على الفرق الموسيقية المتعددة التي كانت نتاج تأسيس المعهد العالي للموسيقا، وعلى المغنيين الذين تخرجوا منها.كما ينطبق على المسرح الذي يسعى لاستمرار حضوره الثقافي والإبداعي والاجتماعي، مضيفاً إلى تاريخه العريق تجارب المسرحيين الشباب القادمين إليه من صفوف الدراسة الأكاديمية. وعلى الفن التشكيلي الحريص على استمرار تطوره بما يتناسب وروح العصر، مع الحفاظ بآن واحد على صلته بجمهوره.. في واقع الأمر لا تمتلك دار الأوبرا صالة عرض للفن التشكيلي بالمفهوم المتعارف عليه لتلك الصالات، وإن كانت تحتفظ بمجموعة مهمة من أعمال التشكيليين السوريين مستعارة من مديرية الفنون الجميلة، حولت، في وقت مضى، ردهات الدار إلى ما يشبه صالة عرض عملاقة، قبل أن تضطر إدارتها إلى حفظ تلك الأعمال مؤقتاً في مستودعات الدار إثر التفجير الإرهابي الذي أدى قبل أكثر من سنتين إلى تحطيم جزء كبير من النوافذ الزجاجية للمبنى.وما تملكه الدار فعلاً ردهة صغيرة في إحدى زوايا البهو الرئيسي توفر إمكانية إقامة معرض لفنان واحد، أو لعدد صغير من الفنانين.وهذه الردهة استضافت الأسبوع الماضي معرضاً للفنانين أحمد الصوفي وإياد بلال، بالتعاون مع مديرية الثقافة في حمص.. ليس بالضرورة أن تكون هناك رؤى، أو أساليب مشتركة، في المعارض الثنائية أو الجماعية، لكن مثل هذه الروح نجدها في معرضنا.ورغم تباين البنية التقنية بين التصوير والنحت، واختلاف الرؤية التشكيلية لكل من الفنانين فإن روحاً واحدة تجمع بين أعمالهما تتخطى الموضوع الإنساني المشترك، إلى أسلوبية التعبير عن هذا الموضوع بلغة تشكيلية تمتلك الكثير من روح زمننا ووقائعه..وقد سبق أن أقيم هذا المعرض في المركز الثقافي بحمص، «والقصد من الخطوة إعلان بدء عودة الحراك الثقافي في حمص، وتشجّيع المثقفين للعمل في ميدانهم الثقافي».على حد تعبير النحات بلال الذي يمتلك، شأنه شأن زميله الصوفي، سجلاً ثرياً من المشاركات والإنجازات التشكيلية.. بالتزامن مع هذا المعرض، شهدت خشبة مسرح الدراما أمسية للغناء الشرقي أحيتها بشرى محفوض خريجة المعهد العالي للموسيقا، بمرافقة فرقة موسيقية من ثمانية عازفين.قدمت فيها خمس أغنيات تكاد تكون مجهولة من قطاع واسع من الجمهور، وخاصة الشاب منه، هي على التوالي»حبيتك وبداري عليك» لفايزة أحمد وألحان محمد محسن،و»ياعود» لفيروز وكلمات وألحان الرحابنة، و»والله ما أنا سائل» لمحمد عبد الوهاب،و»أشواق» لرياض السنباطي، و»نجوى» لمحمد عبد الوهاب أيضاً. ولهذه الأخيرة تسجيل وحيد بصوت عبد الوهاب، بمرافقة العود فقط.. وفي حفلنا هذا رافق بشرى على العود العازف القدير كمال سكيكر.. اتسمت الأمسية باختيار أنيق لبرنامج متجانس يتمتع بكثير من الطرب الهادئ، وبأداء ممتع ومتمكن ودافئ من المغنية والعازفين،وأصح ما يقال في الأمسية أنها تليق بدار الأوبرا،لا لما سبق فقط، وإنما لأنها قدمت مساهمة جميلة في فتح العيون،والأصح الآذان، على روائع ما قدمه موسيقيون لم غيبوا عنا إلا منذ زمن قصير. www.facebook.com/saad.alkassem
|