تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«توفيق الحكيم».. يعيش الجلاء مع السوريين

ثقافة
الخميس 17-4-2014
هفاف ميهوب

لايمكنُ للأديب والمسرحي المصري «توفيق الحكيم» أن ينسى تلك الطائرة الحربية التي طارت به مع مجموعة من الطيارين المصريين إلى «دمشق», وبمناسبة «عيد الجلاء».. العيدُ الذي أُوفِدَ من قبلِ جريدة «أخبار اليوم» ليدوِّن تفاصيلَ الاحتفال به...

هبطَ في مطار «المزة» وخلفهُ سربٌ من طائرات القتال المصرية. كان في انتظاره «سعد الله الجابري» رئيس الوزراء آنذاك, والذي ماأن رآه حتى بادره القول مازحاً: «أينَ حماركَ»؟.. فقال له «الحكيم» فوراً: «أوفدتهُ ليشيِّع المحتل الراحل بما يناسب المقام»..‏

في ذلك اليوم, رأى «الحكيم» كيف تجمهرتْ الوفودُ التي أتتْ من كافة الدول العربية, ومن أجل مشاركة الشعب الشقيق, فرحته بجلاء آخر جندي فرنسي عن الوطن سورية.‏

شهدَ ذلك, صباح يوم الاحتفال الذي استيقظ فيه نشيطاً بطريقةٍ لأنه لم يعتدْ عليها اضطرَّ للتساؤل: «ماهذا النشاط الذي هبَّ عليَّ فجأة؟.. استيقظتُ باكراً وتناولت فطوري, وسألتُ عن الساعة فقيلَ لي, أنها لم تبلغ بعد السادسة, فلمْ أرَ بداً من الخروج إلى المدينة لاستنشق هواء الصباح, وأنعم بأشعةِ الشمس ولكن.. ياللعجب!!»..‏

نعم لقد اندهش «الحكيم» أمام ما رأى, فلقد كانت المدينة وحسب ما رآه ودوَّنه, كلّها مستيقظة مثله, بل ومزيَّنة بالأزهارٍ الملوَّنة التي وضعتْ أمام البيوت والحوانيتُ. أيضاً, كان الناس في ثياب العيد وقد تراصّوا في الشرفاتِ والطرقات وفوق الروابي والأعالي وأسطح البيوت, وكانت أنغام الموسيقا, تعزفها فرق الجنود وجماعات الكشافة التي تنتقل من شارعٍ إلى شارع, مع أناشيد البنين وأهازيج البنيَّات المنطلقة من هنا وهناك..‏

هذا ما أدهش الأديب «توفيق الحكيم» الذي احتفظّ بما رآهُ ليدونهُ، كان الاحتفاءِ بمناسبةٍ أوّل ما لفتهُ فيها, تلك الأمة التي اضطرَّته ومن شدّة فرحتها لوصفها بالقول:‏

«تلكَ أمّة مجاهدة, جريحة لاتدري ماذا تصنع من الفرح, وقد طُرحَ عنها نيرَ الظلام وشلَّتْ يدُ الاستعباد.. لبثتُ أطوف بينها إلى أن وافت الساعة التاسعة والنصف. حيث بدأ الاحتفال الرسمي..‏

ذهبنا وجلسنا في أماكننا إلى أن أقبل فخامة رئيس الجمهورية, وبدأ العرض العسكري بين أمواج الجماهير الزاخرة المتلاطمة, وعناقيدُ الناس المدلَّاة من المآذن والشجر وأعمدة المصابيح وأسوار الأبنية وأجراس الكنائس, وسار في أول الموكب ثلَّة من جنود الدول العربية تحملُ أعلامها, مجتمع كأنها باقة زهرٍ..‏

انتبهتُ على دويّ المدافع تُطلق من القلاع المحيطة بدمشق, ابتهاجاً بالجلاء, وبانطلاقها نوديَ بالتكبيرِ على المآذن ودُقَّت أجراس الكنائس, ثمَّ رعدت في الجوِ أصوات المحركات من الطائرات المصرية والعراقية وهي تذرع السماء بهديرها المجلجل فوق مكان الاحتفال»..‏

هكذا وثَّق «الحكيم» مارآه من تلك الأمة في ذلك اليوم.. الأمة التي واكبَ احتفالها حتى الساعة الرابعة بعد الظهر. حيث دوتْ شوارع دمشق بأصوات الميكرفون الذي أُعلن عبره عن خطاب رئيس الجمهورية «شكري القوتلي».. وحيث وقفت الجماهير تصغي إلى الخطاب الذي ذكرَ «الحكيم» منه:‏

«إننا نطوي اليوم صفحة الجهاد في سبيل استقلالنا, لنفتح صفحة الجهاد لصيانته, وجعله واسطة لإسعاد الأمة ورقيّها, وقد تكون صيانة الاستقلال أشقّ من الظفر.. إن مثلنا الأعلى الذي نتطلع إليه, تجرُّد أبناء هذه الأمة من الهوى والترفع عن الصغائر, وإيثار المصلحة العامة على الخاصة».‏

ما أن انتهى «القوتلي» من خطابه, حتى سارع «الحكيم» لسؤاله: «ماذا بعد الحرية, وماهي الروح التي ستؤثر في نهضتكم وتطيع حركة إصلاحكم الرجعية أو التقدمية, فللرأي العام أحياناً اتِّجاهات غريبة, فهو عرضة لردِّ الفعل وللمؤثرات الفكرية المختلفة؟.‏

أجاب الرئيس «القوتلي»: «الحرية ليست غاية في ذاتها إلا يوم تُفتقد, أما متى وُجدت فهي وسيلة يجب أن يُحسن استخدامها, وأمام سورية مشروعات إصلاحية واقتصادية وعمرانية واجتماعية تقود الرأي العام إلى التقدمية, فلن نسمح لأيِّ تيارٍ رجعي بأن يعطِّل نشاطنا أو يعيدنا إلى الوراء. لاحياة للشرف إلا إذا نظر أمامه منذ الآن».‏

ما إن سمع «الحكيم» هذا الكلام حتى ردَّ قائلاً: «صدقتْ, لأنه إذا نظرَ خلفه تحوَّل كامرأة لوطٍ, إلى تمثالٍ من ملحٍ يذوب في وهج التقدم الحديث».‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية