ودائما ماكانت تنهرني « جدتي » وتأخذني رغما عن أنفي لأشاركهم واجب تصفه جدتي بالأخلاقي , لأعود بوجه غائبة ملامحه , إلا من أنف كبير لشدة البكاء . فتتعاطف معي جدتي وتقول يا بنتي « كل واحد منا يبكي على موتاه »لأتعلم منها , إنني في دور العزاء ربما لا أعرف الفقيد ولا تربطني به صلة قربة , لكنني وأنا أبكيه , أبكي من ماتوا لي , وربما أستطرد بمساحة دمعي لتشمل الأحياء ..
في أزمتي , في الأزمة في سورية , سأختلف مع جدتي في عظتها التي ماعادت تفي بخارطة ودي , والتي تعدت جذور النسب و صارت أكبر من رقم يمثل خانتي أو قيد هويتي .
في كل تشييع شاركت فيه لجندي من وطني , بكيته هو , باسمه دون النظر لقرابته من كنيتي ..
في كل صورة تلفزيونية لتفجير , شعرت أن الأشلاء المتناثرة ليست إلا بقية من جسدي ..
في كل طفل استشهد في مدرسة أو حافلة شعرت أنه ابني ..
ليكبر الوجع أكثر ويصل حدود القرابة المهنية, فيرتقي زميلي , بذكرياتنا , باختلافنا واتفاقنا واستنشاقنا نفس ذات هواء مكتبنا , بخاطر مكسور لقهوة صباحية كان هيلها يجمعنا , ويفرقنا شبه مناحرة , أيا منا عنوان عموده الصحفي كان الأحلى ..!!
في أسبوع المنار , واستشهاد ثلاثة من طاقمهم , بكيتهم , دون الرجوع لمقولة « ستي » بكيتهم بأسمائهم, بمهنتهم , وأوجعني عتادهم , كاميرتهم والميكرفون , وشنطتهم الورقية ..
بكيتهم , بكاء جديدا على قلبي , جعلني أترحم على جدتي , فـ عظتها , بقدر ما اتسعت خارطة وجعها, بقدر ماضاق بها قلبي ..
فصغيرة كنت أبكي موتاي , ثم صرت أبكيهم , واليوم أبكي نفسي ..
بكاء الكل والأنا بخارطة وطن ..
تعلن , أن لا لإرهاب يفوق وجودنا , ونحن الأبقى , بقاء ذاكرتنا بـ شهدائنا , وعزيمة الأحياء منا ..
لأننا .. لأنهم لأن نون الجماعة أبدا لن تفرقنا.