تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


«يرصدون النجوم»

معاً على الطريق
الخميس 17-4-2014
لينا كيلاني

عندما كنا صغاراً وجّهنا أهلونا لنقرأ في قصص للطفولة، وعندما كبرنا وجدنا أنفسنا نتوجه لقراءة القصص العالمية. وفي كل مرحلة من مراحل أعمارنا ونحن نتدرج صعوداً في قراءاتنا، كنا نتماهى مع أبطال من نقرأ لهم من كبار الكتّاب حتى غدا هؤلاء الأبطال في القصص والروايات نماذج تخطف قلوبنا، وتصادر إعجابنا،

وواحدنا يتمنى أن يكون في يوم من الأيام مثل هذا البطل أو ذاك.. إنه البطل الإيجابي طبعاً هذا الذي نتماهى معه كما لو أنه الخلق.. الخلق من جديد لما يحلم أي أحد أن يكون.‏

وإذ تسير بنا دروب الأعمار في مسارات للفرح والنجاح، أو للهزيمة والخيبات يعود بطل الحكاية أو الأسطورة لينهض من جديد في أعماق النفس.. في افتقاد أو في محاكاة، إلا أننا قد نفاجأ أحياناً أن بطلنا هذا كان بطلاً سلبياً، وما نحن في ما نحن فيه أو أصبحنا عليه سوى أبطال لفصول رواية حياتنا في سلبها وإيجابها.‏

والإعلام هذا الساحر المعاصر بوسائله، ووسائطه التي باتت أكثر من أن تحصى ها هو يفتح أبواباً لا سبيل لغلقها ليصنع أبطالاً على غرار أبطال الحكايات، ونماذج يكرّس لها لتصبح نجوماً في مختلف مجالات الحياة.. قناة جديدة انفتحت لنا لنتماهى مع أبطال جدد ليسوا من الروايات، ولا من التاريخ، ولا نصنع صورهم في الخيال بل إن صورة الشاشات تجسد لنا ذلك، وتذهب أبعد فتضيف اليه.‏

وها نحن نعيش في عصر تلتمع سماؤه بالنجوم.. نجوم في مختلف اتجاهات الحياة ومجالاتها.. والنجومية لم تعد حكراً على مجال دون آخر بل بالعكس فلكل أبطاله وهم يقفون تحت الأضواء كما أبطال الأساطير يستحمون بضوء الشمس.. في الرياضة وفي السينما.. في الإعلام وفي الفن.. في السياسة، والفكر، والطب، والهندسة، وفي كل فرع من فروع العلم. والمهم أن هؤلاء جميعاً قد أصبحوا المثل والمثال، والنموذج الذي ترنو اليه الأنظار.. وخاصة من فئة الشباب ممن باتوا يحلمون بأن تنفتح لهم أبواب الشهرة والمجد ليحلقوا في سماوات الضياء فيشعوا على العالم.. حتى باتت حالة النجومية بحد ذاتها هي الحلم، وهي الأمل الموعود.‏

والنجومية هذه أصبحت تصنع صناعة في وقتنا الحالي سواء كانت نجومية دائمة، أم آنية، وأصبح لها اختباراتها الخاصة لقياس إمكانية الفرد، واستعداده ليكون نجماً. وهي في الوقت ذاته استثمار رابح في أغلب الأحيان بعد أن ترصد له الأموال والإمكانات وبرامج التلفاز وقنوات الإعلام.. ليصبح مشهوراً من كان بالأمس مغموراً، إلا أن هذا الأمل الحلم قد لا يتحقق ما لم يدرك الحالم حقيقة إمكاناته وقدراته.. أما الطريق على رحابتها فهي وعرة وصعبة رغم أن السير فيها ليس بالمستحيل.‏

لكن من الحالمين من لا يعرفون الطريق ليصبحوا نجوماً.. وأما من يتوهج بريقه في مجالات الفن من غناء، ورقص، وتمثيل، أو في مجال الرياضة بأنواعها فهو الأكثر إثارة وجذباً لأن ترصده العيون، وتهفو الى مثل طريقه القلوب. واقع من سماوات مضاءة.. ونجوم براقة.. أصبح يفرض نفسه علينا في كل يوم بل في كل لحظة تلتمع فيها الشاشات بوجوه وبأسماء.. حتى غدت ظاهرة النجومية تستقطب المشاعر، والأحاسيس، كما التوق والأمل.. ولعلها إذ تظل معلقة في فضاء الحلم تتحول الى عقدة، وأزمة، وربما خيبة تهوي بصاحبها الى أرض جافة، وقاسية نضبت فيها الينابيع.‏

أما وقد تبدل مفهوم النجومية الآن، واختلف عما عهدناه فإن ممارستها اختلفت وتبدلت أيضاً.. فمن يحظى بعدد كبير من أصدقاء مواقع التواصل الاجتماعي يقع في مركز دائرته ليصبح نجماً بين هؤلاء في التباس عن المفهوم الحقيقي للنجومية.. فما عاد إبداع كاتب مرموق أو شاعر عظيم أو مفكر كبير أو رسام موهوب هو التعبير الحقيقي والأكيد لحالة النجومية الحالية.. فقد بات النجم المعاصر بطلاً رياضياً ربما، ومغنياً ذهبياً على الأغلب، وراقصاً مبهراً في أفضل الأحوال.. لا بل إنه قد يكون إنساناً عادياً يتحول بين عشية وضحاها الى آخر استثنائي.‏

ومن الأفراد اليوم وبعد تنامي وسائل الاعلام والتواصل بين البشر من يقفون على أعتاب الأحلام وهم يرصدون الآفاق بنجومها.. وأقمارها.. وشموسها.. يرصدون النجوم.. لكنهم لا يصبحون نجوماً.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية